من المسؤول عما يجري في مصر؟

TT

الآن بعد مضي أكثر من عام على بدء ثورة ميدان التحرير في 25 يناير (كانون الثاني) 2011، تمر مصر بمرحلة حرجة لا يعرف أحد متى ولا إلى أين تنتهي. فقد ازداد التوتر في الشارع المصري بشكل كبير ولم يعد أحد يعرف من هو المسؤول عن انهيار الأمن وغياب رجال الشرطة. فبينما قام البعض بإغلاق مجرى النيل أمام مراكب السائحين في الصعيد، قتل آخرون سائحة فرنسية في شرم الشيخ واختطف غيرهم أميركيتين في جنوب سيناء. وفي الوقت الذي يشكو فيه المصريون من تردي الأوضاع الأمنية وانتشار حوادث سرقات البنوك والشركات وتهديد الأفراد، يقوم البعض بالهجوم على مراكز الشرطة ويتهمون رجال الأمن بالمسؤولية عما يحدث. ومنذ تنحي الرئيس مبارك عن رئاسة الجمهورية في الحادي عشر من فبراير (شباط) من العام الماضي، واجه الاقتصاد المصري انتكاسات عديدة، حتى أصبح الآن مهددا بالانهيار بسبب عدم استقرار الوضع الأمني والسياسي. اختفى السائحون وهربت رؤوس الأموال من البلاد وارتفعت معدلات التضخم وازداد حجم العجز في ميزان المدفوعات، كما انخفض احتياطي البنك المركزي من النقد الأجنبي وانخفض سعر الجنيه المصري مقابل الدولار بشكل كبير.

وبعد أن نالت الثورة المصرية إعجاب العالم بأسره بسبب السلوك السلمي للمتظاهرين وتلاحم الثوار مع الشعب والجيش، مما أتاح لهم فرصة إسقاط نظام حسني مبارك وحكومة الحزب الوطني، شهدت مصر تحولات خطيرة باتت تهدد - ليس الثورة فحسب - بل مستقبل الوطن بأكمله. ومن المؤكد أن المجزرة التي جرت مؤخرا في استاد مدينة بورسعيد تشير بوضوح إلى وجود قوى داخلية تهدف إلى تغيير مجرى الأمور في مصر، وعدم قدرة السلطة الحالية السيطرة عليها. إذ قام بعض المندسين بالاعتداء على لاعبي النادي الأهلي ومشجعيه، فقتلوا 74 شابا وأصابوا آلافا آخرين. وبينت التحقيقات أن هذه الاعتداءات تم التخطيط لها مسبقا، حيث سمح رجال الأمن بدخول جماعات مسلحة إلى الاستاد ومعهم آلات محظورة. واستغل بعض الخارجين على القانون غضب الجماهير لمحاولة اقتحام مقر وزارة الداخلية في القاهرة، وقاموا بهجمات منظمة على مقار الشرطة في الأقاليم. ويعتقد البعض أن أصابع الاتهام توجه إلى اللواء حبيب العادلي وزير الداخلية الأسبق وجمال ابن الرئيس السابق حسني مبارك، بهدف نشر الفوضى عن طريق الوقيعة بين شباب الثورة ورجال الأمن.

اكتفى المجلس العسكري الذي يحكم مصر بإعلان الحداد ثلاثة أيام، وقال إن من يقف وراء هذه الأحداث هم «كارهو مصر والمتاجرون بظروفها الحرجة»، من السياسيين والإعلاميين الذين يريدون انهيار الشرطة. إلا أن شباب الثورة أرجع تدهور الأوضاع إلى بطء المجلس العسكري في تسليم السلطة إلى حكومة مدنية. فعندما تنازل مبارك عن الرئاسة في 11 فبراير (شباط) الماضي، قام بتسليم سلطته إلى المجلس العسكري، خلال فترة انتقالية لحين انتخاب رئيس جديد. لكن المجلس العسكري قام بإلغاء دستور سنة 71 وأصدر إعلانا دستوريا يتم العمل به إلى حين وضع دستور جديد للبلاد. ورغم الاتفاق على انتخاب رئيس الجمهورية بطريق الاقتراع المباشر من الشعب وليس عن طريق مجلس الشعب، قرر المجلس إجراء انتخابات البرلمان أولا مما أطال مدة الفترة الانتقالية.

ورغم أن المجلس العسكري الذي يتولى سلطات رئيس الجمهورية خلال الفترة الانتقالية هو المسؤول عن تسيير أعمال البلاد في الآن، فلا أحد يعلم كيف يتم وضع السياسة الداخلية والخارجية لمصر في هذه المرحلة. ففي وقت تعاني مصر فيه وضعا اقتصاديا بالغ الصعوبة، أصيبت العلاقات المصرية الخليجية فجأة بالفتور كما تعقدت العلاقات مع الولايات المتحدة إلى درجة كبيرة دون مبرر. فقد قررت السلطات المصرية إحالة عدد من العاملين بمنظمات المجتمع المدني التي تمولها هيئات أميركية وألمانية - بينهم 19 أميركيا - إلى محاكمة جنايات القاهرة، بتهمة تلقي أموال من جهات أجنبية، رغم أن هذه المنظمات تمارس عملها منذ عام 2005 بعلم الحكومة المصرية. وردا على هذا الإجراء هدد أعضاء الكونغرس الأميركي بوقف المساعدات العسكرية السنوية لمصر والبالغة مليار و300 ألف دولار.

وعلى الجانب الآخر، يبدو أن جماعة الإخوان المسلمين التي فاز حزبها بالأغلبية البرلمانية، حريصة على بقاء الوضع على ما هو عليه حتى تتسلم السلطة وتعلن الدستور وتقيم حكومتها، متهمة بعض المأجورين بتلقي ملايين الدولارات تحت ستار دعم الديمقراطية، بالسعي لإثارة الفتنة في البلاد. وبينما يتحدث سعد الكتاتني رئيس مجلس الشعب عن برلمان الإخوان باعتباره برلمان الثورة، اعتبر بعض المتظاهرين في ميدان التحرير أن هذا البرلمان هو مجرد امتداد للحزب الوطني يهدف إلى السيطرة على حكم البلاد. وبدلا من المطالبة بإصلاح الوضع الأمني المتدهور، هاجم الدكتور رشاد البيومي - نائب المرشد العام للجماعة - أجهزة الإعلام قائلا بأن هناك قنوات (تلفزيونية) وصحفا مأجورة تعمل لحساب النظام السابق في محاولة لاستعادة مكانتهم.

من المؤكد أن ثورة الشعب المصري في يناير 2011، كانت موجهة ضد النظام الذي فرض على مصر منذ الانقلاب العسكري الذي نظمه الضباط الأحرار في سنة 1952، ولذلك فهم يخشون من استمرار سيطرة المجلس العسكري على حكم البلاد ويطالبون بحكومة مدنية. ولهذا فإن الضمان الوحيد لحماية مكاسب ثورة ميدان التحرير لن يتحقق إلا عن طريق انتخاب رئيس للجمهورية يؤمن بمبادئ الثورة، ويتسلم السلطة في أسرع وقت ممكن.