وزيت الزيتون ما بينفع؟

TT

كنت في جلسة بأحد المقاهي مؤخرا مع صديق سوري أستمع لوجهة نظره فيما يحدث ببلاده وتطورات الوضع في مدينته الباسلة حمص التي تحولت إلى مضرب للأمثال في الصمود والنضال والكفاح أمام طغيان وجبروت يشبه ما روي في الكتب المقدسة عن فرعون ونمرود وزبانيتهما في حق المظلومين، وما قاموا به من أعمال يشيب لها شعر الرأس تماما، كما كانت حماه في ذات الموقف والوضع من ثلاثين عاما، وأبدى صديقي استغرابه واشمئزازه من موقف المجتمع الدولي إزاء ما يحصل في بلاده وتردده في التدخل بقوة لوقف مجازر الأسد تماما كما فعل مع نظام العقيد الليبي معمر القذافي، وقبل ذلك مع البعثي صدام حسين. وهو يتحدث أدرك الرجل أن من الواضح أن سبب قيام المجتمع الدولي بالتدخل بقوة وتحريك الأمم المتحدة والعتاد والسلاح لتحرير العراق وليبيا من الحكم المجنون هو وجود زيت النفط على أرضيهما، وبالتالي يبدو جليا أن المغزى الاقتصادي أهم بكثير من الأسباب الإنسانية والسياسية مهما بلغت جدارتها وواقعها المؤلم والدامي. فما كان من صديقي الحمصي وبأسلوب أهل حمص الساخر المعروف عنهم إلا أن قال بنبرة لا تخلو من الحزن «بسوريا عنا زيت زيتون ممتاز، بينفع؟». قلت لصديقي «ولكن هناك مثالا مهما حصل في قلب أوروبا نفسها مع السفاح المجرم الزعيم الصربي ميلوسوفيتش والمجازر التي ارتكبها في حق كل من أهل البوسنة والهرسك من جهة، ومن جهة ثانية مع أهل كوسوفو، وتم القبض عليه وتحرير تلك المناطق من التسلط الصربي».

ولكنني أنا أيضا متأكد أننا أمام منطقة جديدة وغير مأهولة من قبل الدبلوماسية الدولية؛ فاليوم هناك مشهد إنساني مرعب ومناظر دموية مذهلة وقناعة دولية متزايدة بأن نظام الأسد مدان بامتياز فيما يرتكبه من قمع وقتل بحق شعبه، ولم يبق له من مؤيدين بشكل واضح إلا قلة محدودة يتصدرها كل من روسيا ولها أغراض معينة جيواستراتيجية تتعلق بالمواجهة الباردة مع الولايات المتحدة وتقليص نفوذها المستمر في مناطقها القديمة، وإيران التي تعتبر سوريا امتدادا طبيعيا للبعد الطائفي لثورتها، وسند وجود حليفها الاستراتيجي في لبنان حزب الله، وهناك تأييد موجود وهو ايضا من دول كلبنان والعراق والجزائر وفنزويلا، ولكل أسبابه الصغيرة والخاصة.

جامعة الدول العربية بالقرارات التي اتخذتها مؤخرا في اجتماعها بالقاهرة حسمت، نوعا ما، الموقف الرمادي الذي كانت عليه، وقررت تأييد المعارضة السورية بالمال والعتاد وإيقاف مهزلة بعثة المراقبين العرب التي كانت مثيرة للجدل بامتياز، ونالت السخط والنقد والاستهجان، وهي حرصت الآن على إدخال العالم الإسلامي في الموقف العام للقضية السورية وثورتها الكبرى، وكذلك تحضير فكرة قوات عربية وأممية لوقف القتل من النظام السوري بحق شعبه، الذي يستمر للشهر الحادي عشر بلا رحمة ولا هوادة، بل على العكس تماما فإن معدلات القتل وأرقامها ونوعية القتل نفسه في تصاعد مذهل ومريع.

نعم سوريا ليس لديها نفط ولا غاز تغري به العالم للدخول الفوري لنجدتها أسوة بغيرها، ولكنه بلد عريق وشعب عظيم ومهد للأديان والحضارات يستحق أن يقف العالم معه دفاعا عن شعبه باسم القيم والمعاني والأخلاق والأديان. أزمة العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة تنعكس سلبا على الأراضي السورية اليوم، فروسيا تعتقد بكل بساطة أنها «خدعت» في ليبيا وأن القرار الأممي الذي صدر لحماية المدنيين عن طريق قوات حلف الأطلسي «الناتو» تم ليّه ليكون أداة للقضاء على القذافي ونظامه فورا، وروسيا لن تسمح لنفسها أن تقع في نفس الفخ مجددا أو تفقد موقعا مهما لها في الشرق الأوسط.

روسيا اختارت النظام على حساب الشعب، وهي تكتشف ثمن هذا النوع من المواقف في ليبيا التي تمارس على الروس اليوم مقاطعة غير معلنة في كل المشاريع والمواقف والعلاقات، وهو تماما ما سيحصل للروس في سوريا فور سقوط نظام الأسد.

العرب الذين لا يزالون يقفون مع نظام الأسد على حساب أرواح وجثث ودماء السوريين سيصنفون هم ايضا مستقبلا في ضمير كل سوري على أنهم كانوا شهود زور وتجار دم لصالح نظام قاتل.

الثورة السورية دخلت المشاهد الأخيرة الحاسمة والنظام دخل مرحلة الحشرجة. وزيت الزيتون إذا كان لا يغري الجيوش لإنقاذ سوريا وأهلها فإن الرهان يبقى دوما على الضمير.

[email protected]