الموساد الإسرائيلي ـ هاقان فيدان.. هل هي مواجهة الإياب؟

TT

النبأ العاجل الذي تناقلته وسائل الإعلام التركية قبل أيام كشف عن بداية أزمة سياسية – قانونية ببعد داخلي وخارجي لن يكون من السهل على حكومة العدالة والتنمية قطع الطريق عليها ولفلفتها بمثل هذه البساطة. موجز الخبر هو أن المدعي العام لإحدى محاكم إسطنبول استدعى رئيس جهاز المخابرات التركية هاقان فيدان هو وكبار أعوانه للإدلاء بإفاداتهم أمامه بصفة مشتبه بهم في قضية التخابر مع قيادات سياسية في حزب العمال الكردستاني.

القصة ليست جديدة، وهي تناقش منذ أشهر بين الزعامات السياسية وعبر وسائل الإعلام حول إيجابيات وسلبيات هذا النوع من النقاش مع حزب يصنف رسميا بأنه إرهابي، وهي مغامرة يقوم بها العدالة والتنمية في محاولة لوقف إراقة الدماء وسط مواجهات تعيشها تركيا منذ عقود بسبب هذه الأزمة وكلفتها آلاف القتلى ومليارات الدولارات حتى الآن. لكن المفاجئ هنا كان قرار المدعي العام صدر الدين صاري قايا الذي يحمل صلاحيات استثنائية والمشهود له بمواقف شجاعة في التعامل مع أكثر من ملف وقضية حساسة، يتقدمها مواجهة كبار ضباط المؤسسة العسكرية المتهمين بتشكيل منظمات سرية تخطط للإطاحة بحكومة العدالة والتنمية، وهو تحركه هذه المرة لطلب الاستماع إلى أهم 5 أسماء في جهاز المخابرات التركية ودعوتهم للإدلاء بإفاداتهم حول ما يعرفونه في قضية التحاور مع قيادات حزب العمال. المفاجأة الأهم كانت هي أن صاري قايا الذي رفض التراجع عن قراره تم سحب يده من القضية بناء على أوامر المدعي العام الأعلى في إسطنبول، وأن البحث مستمر حول صيغة «لا يفنى الذئب ولا يموت الغنم» ضمن سيناريو ينقذ الجميع من هذه الورطة.

المؤكد أن حكومة العدالة والتنمية ستكون أكثر المتضررين من استمرار وتفاعل هذه القضية التي فتحت الأبواب على وسعها أمام الأصوات المعارضة التي تستغلها فرصة لتنتقد قانون الجزاء المعدل الذي يحمل الكثير من النواقص، ولتحذر الحكومة من محاولة التدخل بشكل أو بآخر في مسار مسألة قانونية من هذا النوع، بينما بدأ الكثير من الخبراء والأكاديميين والمفكرين الأتراك يناقشون أسباب وظروف هذا الانفجار ويتحدثون عن أصابع داخلية وخارجية دخلت على الخط وهي تصر على تصفية حساباتها مع أردوغان، ولن يكون أقل ما ترضى به الإطاحة بـ«ابن قاسم باشا» وحكومته وكبار مساعديه، وفي مقدمتهم رئيس جهاز المخابرات فيدان طبعا.

الكثير من السيناريوهات ترسم حول ما يجري، لكن أكثر ما استوقفنا فيها كان الحديث عن أصابع خارجية تريد تصفية الحسابات مع أردوغان وفيدان، وفي مقدمتها الموساد الإسرائيلي وحكومة نتنياهو التي لم تصل إلى ما تريد بعد بالانتقام من الأتراك الذين قلبوا سياساتها وحساباتها الإقليمية رأسا على عقب في السنوات الأخيرة.

هاقان فيدان الذي اختاره أردوغان لتسلم هذا المنصب شخصية مدنية جاءت من خارج الجهاز، وترجيحه حمل أكثر من رسالة، في مقدمتها كان إعلان حكومة أردوغان أنها تريد تحديث هذه المؤسسة وتفعيل دورها في الداخل والخارج. وهذا ما حدث فعلا خلال أشهر قليلة عندما دخل وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك مباشرة على الخط لينتقد اختيار فيدان لهذه المهمة، مرددا أن فيدان هو من المقربين لإيران وقد يسلمها وثائق مهمة حول التعاون الاستخباراتي التركي الإسرائيلي مما يهدد أمن الدولة العبرية.

إسرائيل التي أزعجها وصول فيدان إلى هذا المركز والتي أعلنت حربا نفسية على أنقرة وجدت أن ارتدادات رسائلها تتفاعل سلبا سواء عبر مواقف وأسلوب سفيرها ليفني الذي اختارته للعمل في تركيا وكان من أصل تركي، أو إثر تدهور العلاقات بسبب الحرب على غزة لتكون القطيعة بعد العدوان على أسطول الحرية في المتوسط. لكن تصفية الحسابات الإسرائيلية مع الثنائي أردوغان – فيدان سببها كما تأكد لنا اليوم ليس تجميد العلاقات بين البلدين، بل حملة المطاردة والتنظيف التي أطلقها فيدان ضد عملاء وشبكات الموساد في تركيا وقطع الطريق على الكثير من العمليات التي كانوا ينفذونها في المدن التركية الرئيسية لاصطياد المتعاونين من كل الجنسيات، مستفيدين من المساحة السياحية والتجارية والتعليمية التي توفرها تركيا، ثم تجميد نشاطات وتحركات الموساد الإسرائيلي داخل أكثر من جهاز رسمي وخاص تركي يتقدمها أن يتحمل مسؤولية إغلاق أهم محطة رصد واستطلاع وتجسس إسرائيلية فوق الأراضي التركية. وتوسيع رقعة العمليات لجهاز «ام اي تي» التركي لتصل إلى أكثر من دولة إقليمية تعارضت الحسابات والمصالح فيها بين أنقرة وتل أبيب، وهي مسائل لن يكشف عنها سوى الأرشيف بعد عقود. فيدان هو المؤتمن الأول في تركيا على ملف العلاقات التركية – الإسرائيلية، سيعرف كيف وأين ومتى سيرد على الإسرائيليين بعدما ينتهي من جمع الأدلة حول تورط الموساد في محاولة إبعاده ويضعها بين يدي أردوغان الذي لن يتردد في الكشف، فالمعارضة في حالة تيقظ كامل ولن تتردد في استغلال أية فرصة لمساءلة أردوغان حول ما يجري.