الصورة.. لا تردع المجزرة

TT

سنبقى نكتب ونردد طويلا كم غيّر المحتجون السوريون من منطق صناعة الصورة التي نعرفها..

فعلى امتداد الأحد عشر شهرا الماضية، صاغ مئات من المتظاهرين صورة حدثهم وقدموا للعالم ما يشبه الانقلاب في مفهوم القصة الصحافية والبث المباشر على نحو لم يستطع أي مكان آخر في العالم أن ينتج مثيلا له. فالخبر الوارد من سوريا ليس خبرا فقط، بل هو حدث متكامل، بحيث لم يعد في قدرة وسائل الإعلام، وخاصة التلفزيونات، أن توازي في صورها صور المحتجين السوريين أنفسهم.

هذه الفرادة السورية ثبت باللحم الحي أنها غالية الثمن، فقد دفع مئات من شبان وشابات الثورة ثمن صورهم، إما قتلا وإما تعذيبا وترهيبا لا قدرة لبشر على تحمله.. وآخر الضحايا كان المواطن الصحافي «عمر السوري» الذي سقط قبل أسبوع فيما كان يحاول إسعاف جرحى في حمص، المدينة التي لا تزال صور مجازرها تتواتر لتنبئ بما هو أعظم.

ونحن نشاهد صور حمص لا يسعنا سوى الإقرار بخيبة كبرى حين ندرك أن الشجاعة التي يبديها المحتجون السوريون في نقل حدث ثورتهم وبطش النظام لم تتمكن من تحقيق الحد الأدنى لهم من الحماية، ففيما نحن قابعون أمام أجهزة الكومبيوتر نتابع ما يرفدنا به شبان شجعان قد يموتون في أي لحظة أو ربما ماتوا بالفعل، نشعر أن شيئا لن يتغير تبعا لتلك الصور الموجعة، وأن آلة بطش النظام ماضية في خيارها الدموي حتى النهاية.

قبل اندلاع الثورة السورية، كثيرا ما رددنا أن مجزرة حماه التي ارتكبها نظام البعث في سوريا مطلع الثمانينات والتي راح ضحيتها الآلاف، ما كانت لتقع، أو على الأقل لتمر مرور الكرام، لو كان هناك انتشار للإعلام والصورة كما هو حاصل اليوم.

حتى حين بدأت حركة الاحتجاج وفرض النظام حصارا على الإعلام، ابتدع السوريون سبلا لتصوير ما يحدث لتوثيقه ونقله، علّ ذلك يضع حدا لعنف النظام ودمويته.. لكن الحقيقة المرة التي علينا ربما أن نصدقها هي أن كل تلك الصور وكل تلك التضحيات لنقل الحدث السوري، لم تحل دون وقوع عنف غير مسبوق بحق المتظاهرين والمدنيين.

سقط المنطق الذي يقول: لو كان هناك إعلام لما وقعت مجزرة حماه. اليوم ترتكب في حمص مجازر أمام كاميرات ولم يتوقف شيء. مورس عنف ممنهج من قبل رجال النظام وشبيحته أمام العدسات ولم يتغير شيء.

هذا لا يعني أن ليس لصورة الحدث أو لوسائل الإعلام دور في الحد من وقوع المجزرة.

قد لا تتمكن صور القذائف المنهمرة على حمص والنيران المشتعلة فيها ومشاهد موت الصغار ورعبهم؛ من تأمين حماية لأطفالها ونسائها وأهلها من عسف النظام ودموية شبيحته، لكن تلك الصور صك إدانة تاريخي ووثيقة رادعة دون أن يتكرر ذلك في سوريا الجديدة.

diana@ asharqalawsat.com