كيف تنجح الثورة؟

TT

تنجح الثورات ليس حينما تُسقط النظام الفاسد، ولكن حينما تقوم بتغيير أفكار الفساد.

الأزمة ليست في أشخاص، وليست في مؤسسات، ولكن في عقول وأفكار راسخة في أعماق الشخصية الوطنية للبلاد والعباد.

وفي رأيي أن المطالبة بالإقصاء والتطهير والحساب والعقاب.. كلها شعارات ثورية بريئة، ولكن حينما ننزل بها من حيز الشعار إلى مجال التطبيق فهي تتحول - للأسف الشديد - إلى تصفية حسابات شخصية لقوى مصالح لا تختلف عنها في الاستبداد.

إن حالة الثأر، والثأر المضاد، هي حالة عدمية تؤدي إلى تخليق أي فكر إبداعي ولا تدفع بالأمم إلى الانتقال من حالة التخلف إلى حالة النهضة الشاملة.

وقبل أن أنتقل إلى نقطة أخرى، أريد أن أقول: إن هذا لا يعني أنني أدعو إلى أن يفلت المجرم أو الطاغية أو الفاسد بفعلته، ولكن أن يكون ذلك قائما على تطبيق العدالة من الجميع على الجميع من خلال حكم دولة القانون وليس من خلال مشروع سياسي.

ما نريده أن تصبح غاية الثورات العربية هي علاجا شافيا لجسد الأمة المريض، وليس حالة من التقلصات العصبية التي تصل إلى حالات هياج شديد تؤدي إلى دخول صاحبها في حالة إغماء حادة.

الثورة حلم رومانسي جميل يسعى إليه الأنقياء والأطهار بلا أهداف شخصية أو مصالح ذاتية، ولكن تصبح هذه الثورة في خطر أو في حالة تهديد بالاختطاف حينما تقوم قوى أخرى أكثر خبرة بألاعيب السياسة والأمن في دفعها دفعا نحو الخروج من اللعبة!

لذلك يرى خبراء الثورات المعاصرة أن وعي الثوار بثورتهم وتحديدهم لأهداف مبرمجة بشكل عملي هما خير ضمانة لاستمرار الثورة وعدم تآكلها وضياعها!

وقد يقول لي قائل: الثورة عمل لا يعرف برامج ولا حدودا، إنه عمل فوق الممكن والمتاح؛ لذلك يصبح ثورة!

أرد قائلا: إن الثورة مثل أي عمل له حدود للقوة، زادت أو نقصت، هائلة أو محدودة، لكنه في بداية الأمر ونهايته هو تعبير عن طاقة لا بد أن تكون منظمة ومسيطرا عليها.

وكما قال المفكر الألماني شيللر فإن «الله وحده هو الطاقة اللانهائية، أما فيما عدا ذلك فإنه يصبح فوضى غير مسيطر عليها».

تنجح الثورة حينما تتجنب الفوضى؛ لذلك يسعى كل أعداء الثورات إلى تحويلها لفوضى.