سوريا: صفحة من الإمبريالية الفارسية

TT

السيطرة على البحر المتوسط حلم كل الإمبراطوريات في التاريخ، من الآشوريين والكلدانيين إلى الروس فالإنجليز فالأميركان. كتبت سابقا وقلت إن الجغرافيا السياسية (الجيوفزكز) تفرض على إيران الحصول على موضع قدم لها على شرق هذا البحر. هكذا حاربت بابل ثم اليونان فالرومان ثم آل عثمان ورفضت الاعتراف باستقلال العراق (الجسر للبحر المتوسط) في العشرينات. بيد أن إسرائيل تهيمن الآن على شرق البحر. وهذا سر العداء الإيراني الحالي لإسرائيل. استشهدت بالمثل العراقي «ديكان على مزبلة واحدة لا يتعايشان». على الديك الإيراني أن يقتل هذا الديك الثاني.

عندما نجحت الثورة الخمينية تبنت شعار تصدير الثورة لكل العالم الإسلامي، وهو نهج معروف في تاريخ التوسع الإمبريالي. اتبعه نابليون ثم هتلر فستالين. كتبت فقلت إن أمام الخميني الآن فرصة إثبات حسن نيات الثورة الإسلامية بإعادة الجزر الثلاث التي انتزعها الشاه إمبرياليا من المسلمين العرب. لم يفعل فشطبت على حسن نية هذه الثورة.

المفروض في هذه الثورة أن تتحمس للربيع العربي وتؤيد ثورويا انتفاضة الشعب السوري التي يقودها الإسلاميون. فهذه ثورة تحتذي الثورة الإيرانية في تبني الجهاد المدني السلمي. وهي ثورة ضد البعثيين العلمانيين الذين غزوها سابقا وعانتهم في العراق. لم تفعل. بل تمادت في دعم الأسد إلى حد إرسال ضباط وعساكر إيرانيين ليشاركوا حملته في ذبح الشعب السوري المسلم. لماذا فعلت ذلك؟

السبب واضح. تسيطر إيران الآن على العراق الذي يشكل مع سوريا الجسر الاستراتيجي للوصول إلى البحر المتوسط. وهناك في جنوب لبنان، حصلت طهران على موضع قدم لها على شواطئ هذا البحر. وفي مسعاها هذا أقامت علاقات متينة مع النظام السوري ومدته بما يحتاج مقابل السماح لها بالتواصل مع حزب الله وموضع القدم القلق في الجنوب اللبناني. الانتفاضة السورية ستخلط هذه الأوراق وتخرب اللعبة، ولا سيما بعد أن لاحظت أن الشيطان الأكبر، أميركا، راحت تؤيد الانتفاضة وتتعاون معها وربما تدخل عسكريا في الساحة كما فعلت في ليبيا. يلعن أبو الثورة والثوار! قالت الثورة الإسلامية في إيران! فعل أحمدي نجاد ما فعله السوفيات في تخليهم عن الشيوعيين في إسبانيا والعراق جريا وراء استراتيجياتهم الخاصة.

بهذا الدور القذر الذي لعبته إيران وروسيا ضد الشعب السوري، فتحت هاتان الدولتان أوسخ صفحتين في التعامل مع قضايا حقوق الإنسان واحترام إرادة الشعوب وحقن دماء المسلمين الأبرياء. ولن تفلحا في التخلص من هاتين الصفحتين من ذاكرة شعوب المنطقة. هذه صفحة أخرى تضاف إلى صفحة التمسك باحتلال الجزر العربية الثلاث لسجل التوسع الإمبريالي الفارسي. وتكشف عن الوجه المنافق الذي آلت إليه الثورة الخمينية التي تشوهت مسيرتها وانحرفت عن طريقها ومبادئها الأساسية، وأصبحت عبئا على شعبها وشعوب المنطقة. ومن يدري؟ ربما شعر النظام الإيراني أيضا بالخوف من عدوى انتشار رياح الربيع العربي والانتفاضة السورية إلى إيران ذاتها فتهب العاصفة وتقوض مظاهرات المستضعفين الناقمين نظامهم، لا سيما بعد أن يفشل في تنفيذ استراتيجيته ووعوده لشعبه ويتضح فشله للجماهير الإيرانية التي عانت وطأته.