ثقافة الحرص على سلامة المرضى

TT

كلما توسعت معرفتنا وممارساتنا في مجالات سلامة المرضى، كان ذلك أفضل لنا بصفتنا أوساطا طبية عاملة بكل طاقاتها وإمكاناتها لخدمة المرضى. وقبل عشر سنوات، صدر عن المعهد الأميركي للطب Institute of Medicine تقرير تاريخي مهم يتحدث عن الأخطاء الطبية. وكان عنوان التقرير « البشر يخطئون» «To Err is Human». وما طرحه التقرير من عنوانه ومن محتواه كان أساسا لما يعرف اليوم بـ«ثقافة السلامة»، والقصد الرئيسي من نشر هذه النوعية من الثقافة المهنية في الأوساط الطبية هو العمل للحد من المخاطر وتحسين نوعية ومستوى الرعاية المقدمة للمرضى. كان العنوان مقدمة للتعريف بالمحتوى، وهو أننا إذا أردنا أن نتعرف على الأخطاء الطبية وأن نتعلم منها كي لا يتكرر حدوثها، علينا أن نكون ظروفا من الأمان للعاملين في المستشفيات كي يقدموا طواعية ودون أي مخاوف تقريرا عن الخطأ الطبي الذي وقعوا فيه وكيفية عدم تكرار حدوثه. والسبب وراء هذا هو ما تعرف التقرير عليه من نتائج البحث الميداني الإحصائي عن الأخطاء الطبية، وهو أن أكثر من 60% من الأخطاء الطبية لا علاقة لها بأداء العاملين في المنشآت الصحية؛ بل في نظام عمل process تلك المنشآت.

وكانت الدكتورة كارلون كلاوسي، الباحثة في الوكالة القومية الأميركية لشؤون بحوث وجودة الرعاية الصحية Agency for Healthcare Research and Quality، قد نشرت مقالها عن ثقافة السلامة وتأثيراتها على الرعاية الأفضل للمرضى في مايو (أيار) من العام الماضي. وأجابت فيه عن سؤال يتبادر إلى الذهن كثيرا عند الحديث عن سلامة المرضى ودور العاملين الطبيين فيها، وهو: ما ثقافة السلامة.. وعلى أي هيئة أو مظهر يجب أن تبدو ثقافة السلامة في المستشفيات؟ وأفادت بأن الوكالة المذكورة قد أجرت بحثا إحصائيا للمسح الميداني طلبت فيه من المستشفيات، والمرافق الصحية الأخرى المشمولة في البحث، وضع مؤشرات لقياس مدى التواصل والتعاون بين العاملين في المستشفيات حول الأخطاء الطبية والتبليغ عن ما تسبب منها في أذى للمرضى وما لم يتسبب منها في أذى للمرضى.

وشمل البحث نحو 340 ألف شخص من العاملين في أكثر من 850 منشأة صحية. وكانت إجابة غالبية العاملين: «العاملون يشعرون أن أخطاءهم ستستخدم ضدهم لو أنهم اعترفوا طواعية بارتكابها». ولذا علقت الدكتورة كارلون بالقول: «حينما يشعر الأطباء أن بإمكانهم الحديث بشكل منفتح عن الظروف التي ربما تتسبب بأذى المرضى أو الخطأ في معالجتهم، فإن بإمكان الرعاية الطبية أن تتحسن.. ودراسة مستشفى جامعة ولاية كارولينا الشمالية أعطت نتائج تدعم هذا». وفي الدراسة التي أشارت إليها، قام الباحثون بسؤال مجموعات من الممرضات في نحو 150 مستشفى بالولايات المتحدة. وكانت الأسئلة من نوعية: ما استعدادكن لتقديم تقرير عن الأخطاء الطبية التي قد تقع منكن أو من غيركن في المستشفى الذي تعملن فيه؟

الأخطاء الطبية واقع عالمي، والعمل في المستشفيات أمسى أكثر تعقيدا من السابق، وأولى خطوات الحد من حدوث الأخطاء الطبية هو معرفتها. ولأن الأخطاء الطبية لا تقتصر فقط على ما يظهر منها جليا وواضحا للعيان، فإن تسهيل طريقة الإبلاغ عنها من العوامل المساعدة المهمة. وبرامج «تطوير الجودة المستمرة وسلامة المرضى» CQI&PS معنية بالدرجة الأولى بالعمل على الحد من وقوع الأخطاء الطبية عبر تكوين «ثقافة السلامة» بين العاملين في المستشفيات بطريقة عالية الشفافية.

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]