تواضعي هو أكثر الحقائق تبرجا

TT

بينما كنت مستغرقا في سماع نفسي، ومنشغلا بتعداد ذنوبي وذنوب الآخرين، أجابني رفيقي الفيلسوف قائلا: هل تريد أن تسمع نصيحتي؟!

قلت له: أمري لله.. أسمع وفيها إيه؟! هات ما عندك يا سيدي.

قال: ينبغي عليك أن تشنف أذنيك كل يوم بقليل من الموسيقى، وأن تقرأ على الأقل في اليوم الواحد قصيدة جيدة، وأن ترى صورة جميلة أيا كانت تلك الصورة؛ سواء كانت جامدة أو متحركة، وأن تتلفظ بكلمات معقولة مهما كانت قليلة.. المهم أن يكون لكلماتك معنى ومغزى.

ألقى عليّ تلك النصيحة وكأنه يلقي بحجر كبير في بركة راكدة، ثم مضى في حال سبيله، وتركني وحيدا وشاردا وحزينا (ومتحرقصا) في الوقت نفسه.

آه ليته يعلم.. إنني ممن يهيمون بالموسيقى والفن عموما، ولم يذبحني من الوريد إلى الوريد غير قصائد الشعراء (الانتحاريين)، ولم يقلب حياتي كلها رأسا على عقب غير صور الجمال المتعاقبة التي فجرت وما زالت تفجر في كل يوم ملايين الخلايا في كياني القاتل والمقتول معا.

الشيء الوحيد الذي لم أستطعه ولم أقدر عليه، هو أن أقول جملة معقولة ولها دلالة مؤدبة، فكل مفردات كلماتي التي تعلمتها في الشوارع.. كلها وعن بكرة أبيها ما هي إلا مفردات هجائية، وأنتم الشاهدون على ذلك.

إنني باختصار خلقت في كبد، وسوف أموت في كبد.

إن حالي في هذا اليوم بالفعل (يصعب حتى على الكافر).

***

يقولون: إنه من الجنون أن يحيا الإنسان فقيرا ثم يموت غنيا. وأرد على هؤلاء قائلا: هذا هو ما ينطبق على البخلاء، ولكن هناك ما هو أجن من الجنون، وهو: أن يحيا الإنسان فقيرا ثم يموت معدما.

***

من البديهي، مثلما هو معروف، أن التواضع الزائف هو أكثر الأكاذيب احتشاما.

ولكن من الواضح أن تواضعي هو أكثر الحقائق تبرّجا.

***

«بعض الناس على استعداد لتصديق أي شيء، إذا قيل لهم همسا».

- وهذا هو ما أفعله (بالضبط) - أو (بالزبط) - إذا أردت أن أمرر أكاذيبي.

***

«إن حبا مر بالغيرة الشديدة، إنما هو أشبه بوجه جميل أصيب بالجدري».

- ما أكثر الوجوه الجميلة المجدورة في هذا العالم المجدور. ومع أنني لا أمت للجمال بصلة، إلا أن في وجهي حبّة جدري واحدة، تقبع خلف (صرصور أذني).

[email protected]