ذهبت إلى بيت أهلها تبكي

TT

بمناسبة المأساة المروعة التي تجري في سوريا العزيزة منذ أحد عشر شهرا، نريد أن نخرجكم منها قليلا ولو بالخيال، وذلك من خلال استعراض عرس شامي قديم، وكل فقراته وحواراته كانت تدور بالشعر الدارج في ذلك الزمان.

فهناك فتى خطب فتاة وتمت الموافقة، ومن فرحته التفت إلى عروسه قائلا:

يا سمكة بالبحر تلعب بزرد فضة

أعطيت حالي ومالي لابوكي حتى يرضه

وبيني وبينك

ما عاشت البغضة

فردت هي عليه سريعا قائلة:

سيفك مسقط ودبوسك ذهب صافي

وإن عطشت الخيل ردها عالعاصي

ملي قلوب العدى

بارود ورصاصي

فجاوبها:

عروستنا قومي نسير فيك

عندنا علالي أحلى من علاليك

عندك حما بتحبك وبتعزّك

وأحسن من أمك يللي كانت تربّيك

فما كان من نساء أهل العريس إلا أن يزفنها راقصات وهن يغنين لها قائلات:

آويها عروس عروس قيمي هالغطا وارميه

آويها يرحم أبو الحيكو والورد فتح فيه

آويها والصدر ميدان

لابن العم يلعب فيه!

وما أن سمع العريس ذلك المديح، فلم يتمالك نفسه حتى وقف على حيله وهو يرقص بالسيف والترس قائلا:

عروستي قتلني سواد عينيك

وتلملم الحسن من مكة وإجا ليك

إجوا بنات العرب يتفرجوا عليك

ومن زود حسنك رشوا الذهب حواليك

وجاء الدور على أهل العروس ناصحين لها:

عروستنا كوني متلنا ومتالنا

وكوني بحشمتنا وطبع رجالنا

عروستنا لا تكوني تناقري رجالك

وتخلي رجال الغير يضحكوا عرجالنا

غير أن العروس لم تستمع للنصيحة لأنها كانت من (طينة) ثانية، وما أن مرّ شهر واحد على زواجهما حتى بدأت تتكشف على حقيقتها، وفي يوم من الأيام (تناقر) زوجها معها فأرادت أن (تتفحج) عليه وتركبه، أي أن تكون هي المسيطرة والآمرة الناهية، فأول ما بدأت به أن فرضت عليه دائما أن يكون معها ليلا ونهارا في غرفة النوم بعيدا عن أهله وأصحابه. ويبدو أن المثل الشعبي قد انطبق عليها وهو القائل: (ذاقت الصقها حلاته).

فلما ضيقت عليه الخناق أكثر وشعرت هي بتذمره فما كان منها إلا أن تتحداه قائلة:

محلا الشمّة والضمّة

بتسوي الخالة والعمة

بتسوي عيلة أبوك

وأنا منهم مش خايفة!

فبلغ (السيل الزبى) عند العريس عندما سمعها مرة ثانية وهي تتطاول على والده و(تتريق) عليه بلسانها (الزفر) قائلة وهي تقصد (الشايب):

آويها قاعد قبالي مدنكس طربوشه

وحارق قلبي بعدّ قروشه

بطلب من الله يكسر ناموسه

ويعيش بقلة على حبة زيتونة

فطلقها زوجها في الحال، وذهبت هي إلى أهلها تبكي... والسبب هو: (طول لسانها)، ولو أنني كنت مكان العريس فلن أطلقها، ولكنني سوف أبحث عن أكبر (مقص) في البلد، وسوف أقص به لسانها وغير لسانها. صحيح أنها نهاية مأساوية تقريبا، ولكنها تظل أرحم مليون مرة من المأساة الجهنمية الدائرة في سوريا هذه الأيام.

[email protected]