رؤية رئيس عربي للحكم الرشيد

TT

منصف المرزوقي، الرئيس التونسي الجديد، والمفكر الذي وصل للحكم وهو نفسه لم يكن يتوقع ذلك، كتب قبل أيام عن الحكم الرشيد بعد نحو ثمانية أسابيع من توليه الرئاسة. يجادل في إشكالات الديمقراطية في العالم العربي، ملخصها في خاتمتها، أنه لا حكم رشيد من دون مجتمع راشد. يعيدنا إلى الجدل الطويل، إن كانت الثقافة الديمقراطية هي التربة الأساس، أم أن الحكم الديمقراطي هو الحصان الذي يقود المجتمع نحو الديمقراطية.

المرزوقي يعتبر أحد إشكالات الديمقراطية أنها نظام مستورد، طالما أن العرب فشلوا في كل تاريخهم في اختراعه، أو إقامة نظام مثله. وبالتالي نحن أمام محاولة توطين الديمقراطية الغربية في التربة العربية. يقول: «المشكلة أن التوطين يعني بالنسبة لأغلبية العرب تطبيق وصفة جاهزة بمكوناتها الأربعة المعروفة: الحريات الفردية - الحريات العامة - استقلال القضاء - التداول السلمي على السلطة بالانتخابات الحرّة. وعبر هذا التطبيق الميكانيكي يتوقّع البعض الحصول على نظام سياسي يكفل الحكم الرشيد».

الآن، يستطيع المرزوقي بشخصيتيه المتضادتين، المفكر الناقد والرئيس المؤسسة، أن يرى العالم من فوق. هل يمكن للصندوق الانتخابي أن يعبر عن رغبات الناس؟ هل الدولة بكياناتها قادرة أن تجلب العدالة الاجتماعية؟ هل حرية التعبير في الإعلام والبرلمان تقوم الأخطاء وتحقق مطالب الأغلبية؟ اللافت أنه بعد شهرين فقط من انتقاله لرأس السلطة يبدو محبطا. يرى أن الدولة المنتخبة لا تملك كل أدوات السلطة. السلطة المنتخبة لا تدير الإعلام، ولا تتحكم في السوق، ولا العسكر والمخابرات. وبالتالي فإن الديمقراطية بالسلطات الثلاث، التشريعية والقضائية والتنفيذية، تظل سلطة ناقصة. طبعا، كلنا ندرك أن الدولة المنتخبة لو طالت سلطتها الإعلام والاقتصاد لأصبحت نفسها نظاما استبداديا. المشكلة تكمن في الوعي العام وقدرته على إدارة التوازن الدقيق بين قوى المجتمع.

الوعي هو المشكلة وهو الحل. الإعلام الفاعل يحتاج إلى مجتمع واعٍ، والاقتصاد الحر ليزدهر يتطلب مجتمعا مؤهلا قادرا. مشكلة أدوات الحريات في المجتمعات المتخلفة ثقافيا، مثل العربية، أنها نفسها تنقلب إلى سلطة شرسة تقيد الحريات، مثل الإعلام والبرلمان. ومن دون حصانة للحريات لا معنى ولا قيمة للديمقراطية، تصبح ديكتاتورية أغلبية. وهذه إشكالية مصر اليوم، وكذلك تونس بدرجة أقل. المشرعون، أي البرلمانيون، ممثلو الأمة، هم دعاة الحجر والتقييد. والإعلام، صوت الحرية وسوط العدالة، يتولى ملاحقة الخارجين على القيود وليس مناصرة طلاب الحريات والحقوق. وبسبب البدايات المتعثرة قد يصل المثقف، في المجتمعات العربية الديمقراطية، إلى لحظة يتحسر فيها على نظام رئاسي استبدادي. وهذا استنتاج يعترف به المرزوقي، أحد أبرز دعاة الديمقراطية العرب، «الأخطر من هذا أن مثل هذا النقاش سينسى أن شعوبنا لم تثُر ضدّ الاستبداد إلا لأنها فقدت كل أمل حول قدرته على تحقيق مطامحها في التنمية والعدالة الاجتماعية، وأنها قد تثور غدا ضد الديمقراطية لذات السبب».

الحل ثقافي لا انتخابي. والجاهلون بمعاني الديمقراطية ليسوا العامة وبسطاء الناس، بل حتى مثقفوها الذين يعتقدون أنها ضمانة لفكرهم وحريتهم فقط.

[email protected]