من هرمز إلى طرطوس

TT

من مضيق هرمز إلى ميناء طرطوس، عبورا بقناة السويس، تقيم إيران عرضا لقوتها الصاروخية والبحرية، فيما يكرر محمود أحمدي نجاد التلويح بالقوة النووية القادمة. وقد عبرت القطع البحرية الإيرانية قناة السويس نحو المتوسط فيما كانت حاملة الطائرات الروسية عائدة نحو البحر الأسود من الميناء نفسه.

المشكلة أن العرض الروسي والإيراني لا يفيد شيئا في حل القضية الكبرى المطروحة، لأنه لن يكون في إمكان البوارج أن تضرب درعا أو إدلب أو أن تضيف إلى قصف حمص.

تحولت سوريا إلى منطلق لحرب باردة جديدة، انعكست أولا في مجلس الأمن ثم في الجمعية العمومية ومن ثم في حركة العبور في قناة السويس. ولكن سوريا لا تخوض حربا أو مواجهة عسكرية مع الخارج، بل تقاوم حركة احتجاجية داخلية منذ نحو العام، عبرت الأرياف إلى العاصمة وحلب يوم عبور السفن الإيرانية للقناة.

لا الفيتو الروسي - الصيني ولا حركة الأساطيل أديا إلى خفض درجة الاحتجاجات، بل زادا في إشعالها وتوسيع نطاقها. ومنذ البداية كان واضحا أن حركة الاعتراض لن تحل إلا بالاحتواء والمصالحة الوطنية وليس بالمضي في مقابلة المتظاهرين بالرصاص ثم بالمدافع. ومنذ اللحظة الأولى استخدم الأمن أقصى درجات العنف، فيما كانت صنعاء مثلا، تستخدم القنابل المسيلة للدموع.

لم تعتد دمشق طوال خمسين عاما على أن هناك من يمكن أن يخطر له الاعتراض أو التقدم بالمطالب المؤدية إلى التغيير. وبدل أن تستبق تلك المطالب من خلال مسلك سياسي يتناسب مع مناخ 2011، لجأت إلى أسلوب متبع منذ عام 1963، أو منذ طارد الفريق أمين الحافظ المتظاهرين في بساتين العاصمة.

استقوت دمشق على المطالب الأهلية الداخلية البسيطة بموقعها الإقليمي وأوراقها الإقليمية. لم تلتفت إلى أن الموجة العارمة في العالم العربي رفعت هذه المرة شعارات الداخل وهموم الداخل وقضايا الداخل. ولم تلتفت إلى أن الناس رفعت أعلام ما قبل الثورات وعادت إلى زمن الاستقلال، كأنها تريد أن تنسى المرحلة التي مضت.

لا يفيد سوريا أن العالم ينشق من حولها. لم يفدها ذلك في الحرب الباردة. لم يفدها في شيء دعم السوفيات. ولن يفيدها اليوم تحويل الصراع الداخلي إلى صراع خارجي، علامته الأسطول الإيراني، في وجه عالم عربي يجمع للمرة الأولى في تاريخه على موقف واحد. هل سوريا حقا في حاجة إلى أن يكون جميع العرب ضدها وإيران معها؟ أم أن تحريك الأساطيل في وجه العرب، من هرمز إلى طرطوس، في صالح إيران؟ منذ مدة لا تعرض إيران سوى الصواريخ ولا ترسل سوى التحذيرات، كم كان أحرى بها أن تعرض إيصال شيء من المياه والخبز إلى أهل حمص.