كيف تستغل الشركات الـ«فيس بوك» للتسويق والتقييم الائتماني؟

TT

على عكس الشركات الكبرى الأخرى التي تحقق أرباحا ضخمة، لا تملك «فيس بوك» مخزون أدوات أو أجهزة أو سيارات أو هواتف. فكل مخزونها يتمثل في بيانات شخصية - خاصتك وخاصتي.

يحقق «فيس بوك» أرباحا ببيع مساحات إعلانية للشركات التي ترغب في الوصول إلينا. ويختار المعلنون كلمات رئيسية أو تفاصيل - مثل الحالة الاجتماعية ومحل السكن والأنشطة والكتب المفضلة والوظيفة - بعدها، يرسل موقع «فيس بوك» الإعلانات للمجموعة الفرعية المستهدفة من مستخدميه الذين يبلغ إجمالي عددهم 845 مليون مستخدم. فإذا أوضحت أنك تحب كعك القوالب وتعيش في منطقة معينة وقمت بدعوة أصدقاء، توقع ظهور إعلان من مخبز قريب من محل سكنك على صفحتك.

إن حجم المعلومات المباشرة على الإنترنت المتوفرة لموقع «فيس بوك» عن كل فرد منا لاستخدامها في أغراض تسويقية مدهش. في أوروبا، تعطي القوانين للناس الحق في معرفة ماهية البيانات التي تملكها الشركات عنهم، لكن ذلك لا ينطبق على الولايات المتحدة. وحققت شركة «فيس بوك» عائدات من الإعلانات قيمتها 3.2 مليار دولار العام الماضي، والتي تمثل نسبة 85 في المائة من إجمالي عائداتها. غير أن مخزون البيانات الذي تملكه «فيس بوك» وعائداتها من الإعلانات يعتبران ضئيلين مقارنة بشركات أخرى. فشركة «غوغل» لديها مخزون بيانات أكثر بعشرة أضعاف من مخزون «فيس بوك»، وحققت عائدات من الإعلانات قيمتها 36.5 مليار دولار في عام 2011، عن طريق تحليل محتوى الرسائل التي أرسلها المستخدمون عبر موقع «جي ميل» ونوعية المعلومات التي قاموا بالبحث عنها على شبكة الإنترنت، ثم استخدام تلك البيانات في ترويج الإعلانات.

وقد دعمت مئات من الشركات الأخرى مخزون البيانات الخاصة بمستخدميها المتاح على الإنترنت بنوع من برامج التجسس تعرف باسم «كوكيز» أو غيرها من آليات اختراق أجهزة الكومبيوتر الخاصة بالمستخدمين وبرامج التصفح التي يستخدمونها. فإذا ذكرت كلمة القلق في رسالة بريد إلكتروني أو أجريت عملية بحث على موقع «غوغل» عن كلمة «ضغط» أو «توتر» أو بدأت في استخدام مفكرة طبية على الإنترنت والتي تسمح لك بمراقبة حالتك المزاجية، فلك أن تتوقع تلقي إعلانات عن أدوية وخدمات لعلاج حالة القلق التي تعاني منها.

وربما تبدو الإعلانات التي تنبثق على شاشتك مفيدة، أو في أسوأ الحالات، مصدر إزعاج. لكن الأمر يتعدى ذلك بكثير. فمن السهل استغلال أجزاء من المعلومات عن نمط حياتك ضدك. على سبيل المثال، يمكن أن يعتمد حصولك على وظيفة أو ائتمان أو تأمين على هويتك الرقمية - وربما لا تعرف مطلقا لماذا تم رفض طلبك.

لقد استخدمت بالفعل المواد التي يتم استخراجها من على شبكة الإنترنت ضد أفراد يكافحون من أجل نيل حق حضانة أطفالهم أو يدافعون عن أنفسهم في دعاوى جنائية. وتملك شركة «ليكسيس نيكسيس» منتجا يحمل اسم «أكورينت» لتفعيل القوانين، والذي يزود الوكلاء الحكوميين بمعلومات عن الأنشطة التي يقوم بها الأفراد على مواقع التواصل الاجتماعي. وتجري خدمة العوائد الداخلية عمليات بحث على موقعي «فيس بوك» و«ماي سبيس» لإيجاد أدلة عن دخل المتهربين من الضرائب وأماكنهم، كذلك عرف عن هيئة خدمات المواطنة والهجرة الأميركية فحص الصور والرسائل المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي للتحقق من العلاقات الأسرية أو مكافحة الزواج الصوري. وأحيانا ما يقرر أصحاب العمل ما إذا كانوا سيقومون بتعيين مرشحين لشغل وظائف أم لا اعتمادا على ملفاتهم الشخصية على الإنترنت، من خلال دراسة تشير إلى أن 70 في المائة من متعهدي توريد العاملين واختصاصيي الموارد البشرية في الولايات المتحدة قد استبعدوا عددا من المرشحين اعتمادا على البيانات التي يتم العثور عليها على الإنترنت. وتقوم شركة تسمى «سبوكيو» بجمع بيانات على الإنترنت لأصحاب العمل والعامة وأي شخص آخر يرغب في الحصول على هذه البيانات. حتى إن الشركة تنشر إعلانات تحث «متعهدي توريد العاملين بالموارد البشرية - نصها: انقر هنا الآن!» وتطلب من النساء إرسال عناوين البريد الإلكتروني الخاصة بأصدقائهن من أجل تحليل صورهم وأنشطتهم على الإنترنت لمعرفة «هل يخدعونهن؟».

وتتجلى القولبة بشكل حي وجيد في عملية تجميع البيانات. يمكن رفض طلبك بالحصول على ائتمان لا بناء على وضعك المالي أو تاريخك الائتماني، وإنما بناء على البيانات المجمعة عنك - الأنشطة التي قام بها أفراد آخرون ممن يتفقون معك في ما يعجبك وما لا يعجبك على موقع التواصل الاجتماعي. إذا كان عازفو جيتار أو المطلقون هم أكثر الفئات التي لا تسدد فواتير بطاقاتها الائتمانية، فمن المحتمل أن تكون متابعتك لإعلانات عن عروض لعازفي جيتار أو إرسالك رسالة بريد إلكتروني إلى محام ينظر في دعاوى طلاق سببا في جعل أية جهة تجمع بيانات تصنفك على أنك شخص غير قادر على الدفع. حينما عاد رجل من أتلانتا بعد قضائه فترة شهر العسل، وجد أن سقفه الائتماني قد قل ليصل إلى 3800 دولار بعد أن كان 10800 دولار. ولم يعتمد هذا الخفض على أي إجراء قام به، وإنما على بيانات مجمعة عنه، فقد أرسلت الشركة خطابا له جاء فيه: «هناك عملاء آخرون استخدموا بطاقاتهم الائتمانية في محال قمت بالتسوق فيها مؤخرا لهم تاريخ سداد سيئ مع (أميركان إكسبريس)».

وعلى الرغم من أن القوانين التي تسمح للناس بالاعتراض على المعلومات الخاطئة الواردة في التقارير الائتمانية، فليس ثمة قوانين تلزم جامعي البيانات بالكشف عن المعلومات التي يعرفونها عنك. فإذا أجريت عملية بحث على موقع «غوغل» عن «مرض السكري» لأحد أصدقائك أو عن «أنواع من المنشطات» للاستعانة بها في رواية بوليسية تعكف على كتابتها، يفترض جامعو البيانات أن عمليات البحث هذه تعكس حالتك الصحية أو ميولك. ونظرا لعدم وجود قوانين تنظم أنواع البيانات التي تستطيع هذه المجموعات من جامعي البيانات جمعها، فإنهم يفرضون قواعدهم الخاصة.

في عامي 2007 و2008، تعاقدت شركة الإعلانات على الإنترنت «نيبو آد» مع ستة من مزودي خدمات الإنترنت من أجل تثبيت أجهزة تراقب الأنشطة التي يقوم بها المستخدمون على شبكة الإنترنت وتنقل تلك البيانات إلى خوادم شركة «نيبو آد» لتحليلها واستخدامها في التسويق. على مدار فترة مقدارها ستة أشهر تقريبا، قامت شركة «نيبو آد» بنسخ كل رسالة بريد إلكتروني أو عملية بحث على الإنترنت أو عملية شراء عن 400 ألف شخص على الإنترنت. ولدى شركات أخرى، مثل «هيلث لاين نت ووركس» المحدودة، قيود داخلية في ما يتعلق بماهية المعلومات الخاصة التي ستقوم بجمعها، فلا تستخدم شركة «هيلث لاين» المعلومات الخاصة بعمليات البحث المتعلقة بفيروس نقص المناعة المكتسبة أو العجز الجنسي أو الاضطرابات الغذائية في توجيه إعلانات لأفراد بعينهم، لكنها ستوظف المعلومات المتعلقة بأمراض مثل اضطراب المزاج ثنائي القطب وفرط نشاط المثانة والقلق، والتي ربما تكون وصمة عار، تماما كالمواضيع الواردة في قائمة المواد المحمية بموجب معايير الخصوصية.

في سبعينات القرن العشرين، استخدم أستاذ دراسات اتصالات بجامعة نورث ويسترن، يدعى جون ماكنايت، مصطلح «الخطوط الحمراء» في وصف عجز المصارف وشركات التأمين وغيرها من المؤسسات الأخرى عن تقديم خدماتها لضواحي المدن. وجاء المصطلح من إجراء يتبعه مسؤولو المصارف الذين يرسمون خطا أحمر على مخطط لتحديد المواقع التي لن يستثمروا فيها. غير أن نطاق استخدام المصطلح قد اتسع ليغطي جوانب كثيرة من الممارسات التي تنطوي على تمييز عنصري، مثل عدم منح قروض الإسكان إلى الأميركيين من أصل أفريقي، حتى هؤلاء الذي ينتمون إلى طبقة الأثرياء أو الطبقة المتوسطة.

الآن، المخطط المستخدم في وضع الخطوط الحمراء ليس مخططا جغرافيا، وإنما مخطط لجولاتك عبر الإنترنت. يصف مصطلح خطوط الويب الحمراء (Weblining) فكرة حرمان أفراد من فرص معينة اعتمادا على هوياتهم الرقمية. على سبيل المثال، قد يتم حرمانك من الحصول على تأمين صحي اعتمادا على عملية بحث على «غوغل» عن حالة صحية، وقد تقدم لك بطاقة ائتمان سقفها الائتماني منخفض، لا بسبب تاريخك الائتماني، وإنما بسبب عرقك أو جنسك أو الكود السكني الخاص بك أو أنواع المواقع الإلكترونية التي تقوم بزيارتها.

إضافة إلى ذلك، فإن لعملية تجميع البيانات دلالات اجتماعية بالمثل. فعندما تنهال على مستخدمين شباب مقيمين في أحياء فقيرة إعلانات عن مدارس تجارية، هل سيزداد احتمال أن ينحوا فكرة الدراسة الجامعية جانبا مقارنة بآخرين في نفس مرحلتهم العمرية؟ وعندما تعرض على سيدات مقالات عن مشاهير لا عن اتجاهات سوق الأسهم، سيقل احتمال أن يتمكن من تنمية معارفهن في الجانب المالي؟ إن المعلنين يرسمون خطوطا حمراء جديدة، على نحو يقيد الأفراد بالأدوار التي يتوقع منهم المجتمع أن يلعبوها.

وتتعارض ممارسات جامعي البيانات مع ما يقول الناس إنهم يرغبون فيه. وكشف استطلاع رأي أجرته مجلة «كونسيومار ريبوروتس» في عام 2008 لألفي شخص عن أن 93 في المائة منهم يرون أن شركات الإنترنت يجب أن تطلب تصريحا منهم قبل استخدام معلوماتهم الشخصية، فيما أبدى 72 في المائة رغبتهم في أن يستثنوا من التعقب الإلكتروني، وكشفت دراسة أجرتها «سيرفي ريسرش أسوشييتس» في عام 2009 باستخدام عينة عشوائية من 1000 شخص عن أن 69 في المائة يرون أن الولايات المتحدة يجب أن تتبنى قانونا يمنح الناس الحق في معرفة ماهية المعلومات التي يعرفها أي موقع إلكتروني عنهم. إننا نحتاج لقانون عدم تعقب، مماثل لقانون عدم الاتصال، الأمر الآن لم يعد متعلقا بما إذا كان سيتم قطع غدائك باتصال من أحد المسوقين عبر التليفون، إنما يتعلق بما إذا كانت أحلامك ستتحطم بفعل أجزاء من معلوماتك الشخصية لا يمكنك السيطرة عليها ولا تخضع الشركات في الوقت الحالي عن المساءلة بشأن استغلالها.

* أستاذة قانون بكلية الحقوق بجامعة شيكاغو كينت، ومؤلفة كتاب: «أعلم من تكون ورأيت ما فعلته: الشبكات الاجتماعية وضياع الخصوصية».

* خدمة «نيويورك تايمز»