الرزق يحب الخفيّة

TT

أعرف صديقا مثله المفضل الذي يردده أمامي دائما ولا يتعب من ترديده هو: (أن الرزق يحب الخفية)؛ لهذا هو دائما خفيف في حياته، بل إنه مثلما نقول: كان (مطيورا ومصرقعا)، دائم الحركة ولا يستقر، لا على حال ولا على مكان، جواز سفره يغيره، من دون مبالغة، كل شهرين من كثرة أختام الدخول والخروج في مطارات العالم التي تتوالى على صفحاته، إنه باختصار (فرقع لوز).

التقيته قبل فترة في القاهرة - أي قبل ما يسمى الربيع العربي الذي لم أشاهد له إلى الآن أي أزهار - المهم أنه كان عائدا لتوه من سيول في كوريا، ومعه (شنطة يد) حدثني عن مزاياها بأنها ضد السرقة، أي أن مقبضها يميز بصمة يد صاحبها، ولو أن هناك أحدا أمسكها غيره سوف تحدث صوتا، ولكي يثبت لي ذلك طلب مني إمساكها، وما إن فعلت ذلك حتى سمعت صوتا مجلجلا يصيح قائلا: النجدة، النجدة، فرميت بها على الأرض بينما أخذ هو يضحك، وعرفت منه أنه بصدد استيراد مجموعة منها، وأكد لي أنه من الممكن برمجة استنجادها بكل اللغات الحية.

وبعد أن انتهينا من الإفطار في الفندق طلب مني أن أرافقه إلى أحد البنوك لعمل بعض التحويلات، وهذا ما حصل، وذهبنا وكانت برفقتنا شنطته المشؤومة تلك.

وعندما دخلنا إلى صالة البنك انزويت أنا على مقعد جانبي بينما ذهب هو للتحدث مع أحد الموظفين، وفجأة وإذا بصوت الشنطة يلعلع قائلا: النجدة، النجدة، فضرب جرس الإنذار، وتراكض الجميع هاربين، بمن فيهم صاحبي الذي دفعني أمامه قائلا: هيا نخرج سريعا، الحمد لله، لقد نجحت التجربة، لقد نجحت، وعرفت منه ونحن في الطريق أنه ركن الشنطة عند أحد الأعمدة دون أن يلحظه أحد، ويبدو أن أحدهم قد شاهد الشنطة التي ليس لها صاحب فأراد أن يخطفها أو يسرقها؛ لهذا صاحت مستنجدة، الواقع أنني استسخفت حركته هذه التي ليس لها أي مبرر وعاتبته على ذلك، غير أنه قابل عتبي ضاحكا وهو يقول: (الرزق يحب الخفية) يا أيها الغبي، فقلت بيني وبين نفسي: يا ليتهم أمسكوا بك، كانوا، يمين بالله، قطعوا ذنبك.

واليوم قرأت خبرا فحواه: أن أحد اللصوص دخل أحد البنوك ومعه شنطة حاول عبثا أن يدنيها من الموظفين، وعندما لاحظ أنهم شكوا بأمره، انطلق هاربا ومعه الحقيبة، عندها تنفس الموظفون الصعداء وذلك عندما رأوا اللص يفر هاربا بالحقيبة، وصادف في ذلك الوقت وجود رجل خارج البنك رأى اللص يعدو هاربا، فتعقبه للحال، فرمى اللص بالحقيبة وتابع هربه، فما كان من الرجل الطيب إلا أن التقطها وأعادها إلى البنك، والواقع أن الحقيبة كانت تحتوي على قنابل مسيلة للدموع مؤقتة كي تنفجر بعد دقائق، وفعلا انفجرت، لكنها من حسن الحظ لم تقتل أحدا، لكن ظل الجو في البنك خانقا، والهواء فاسدا، وتعطل العمل ليوم كامل، وفي النهاية رفع البنك قضيته ضد الرجل الطيب الذي أتى بالحقيبة، وحكمت عليه المحكمة بغرامة مالية.

[email protected]