نفض (لا نقض) الأمم المتحدة

TT

الحربان العالميتان أقنعتا العالم بوجوب قيام مؤسسة دولية تحل المشكلات من خلالها سلميا، فقامت عصبة الأمم التي أصبحت لاحقا منظمة الأمم المتحدة. الخطأ الجوهري في المنظمة أنها أقيمت على أساس نتائج الحرب: منتصر ومغلوب، قوي وضعيف، كبير وصغير. وبينما وضعت المنظمة «حقوق الإنسان» ألغتها عمليا من خلال حق النقض، أو حق الإلغاء، أو حق العرقلة، الذي خصت به الدول الكبرى.

وكان الهدف الحقيقي من هذا الحق هو ضبط الصراع بين القوى العظمى وليس ضمان حقوق الدول الضعيفة. وقد تغير العالم عشرين مرة ولم يتغير نظام الفيتو. فالهند التي كانت مستعمرة أصبحت إحدى أهم القوى العالمية اقتصادا وعسكرا وتعدادا. وألمانيا التي كانت مقسمة ومنكسرة أصبحت اليوم أم أوروبا. والاتحاد السوفياتي الذي ربح الحرب العالمية على لائحة «الحلفاء» أنزل العلم الأحمر وأصبح روسيا الاتحادية. وأوروبا المفككة أصبحت دولة واحدة لا شرقها ولا غربها. لم يعد شيء في العالم كما كان غداة تأسيس الأمم المتحدة وهيئاتها ومجالسها. العالم الإسلامي ليس ممثلا، بدولة مثل إندونيسيا، أو بمجموعة مثل الدول العربية. أفريقيا لا وجود لها في مجلس الأمن. بمعنى الفيتو طبعا. ولا أميركا اللاتينية برمتها.

نظام الفيتو هو إلغاء سافر لإرادة الشعوب. استخدمته أميركا في وجه العالم أجمع من أجل إسرائيل لتكريس اعتداءاتها. هزم الفيتو الروسي الأخير في مجلس الأمن الأكثرية الساحقة في المجلس. لذلك القضية ليست من يكون له حق الفيتو في تشكيلة العالم الجديد، بل بأي حق يجوز استخدام الفيتو بعد اليوم. لأن هذا النظام لن يسمح للمجلس بالعمل في أي ظرف من الظروف، وسوف يجعل منه جمعية عامة أخرى. أي مجرد منبر عالمي ولكن من دون صلاحيات تنفيذية.

القرن الحادي والعشرون في حاجة إلى أمم متحدة جديدة غير تلك التي ولدت في أعقاب حرب عالمية تغيرت جميع آثارها وتداعياتها ومعطياتها. غابت الشيوعية وسقط الفكر الستاليني وتلاشت فكرة الأقطاب بعد فيتنام وكمبوديا وأفغانستان، وسقطت الأنظمة الاقتصادية المتضاربة، وصارت الكرة الأرضية بلورة شفافة يمكن رؤية كل شبر فيها، من الأرض والجو.

«لقد خذلتنا الأمم المتحدة».. قال الملك عبد الله بن عبد العزيز، مختصرا حالة متفاقمة من الإخفاق الدولي. وليس ذلك منذ الفيتو الروسي، بل منذ أن تحولت إلى مجرد منتدى، لا أهمية فيه لاتجاهات وقرارات الأكثرية الدولية في العالم. إن الأمم المتحدة تعيد تجديد مبناها، وربما تجدد في الوقت نفسه مفهومها «العالم الجديد» الذي قام منذ 6 عقود ولم يعد له أي علاقة تقريبا بالعالم الذي كان قائما منتصف الأربعينات. عالم يقوم على الحرية لا على الفيتو، للكبار أو للصغار. العالم لم يولد للأقوياء وحدهم.