نجاد يشكك بولاية خامنئي ويعارض المساعدة الأمنية لسوريا

TT

ذكرت عدة صحف لبنانية أن سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي أبلغ بشار الأسد الرئيس السوري في لقائهما الأخير أن بلاده تعمل على تعاون إقليمي روسي - تركي - إيراني حول الملف السوري، وأن الإيرانيين يجرون مساعي مع تركيا لتحييدها في محاولة لإنشاء مسار تركي - روسي - إيراني.

لكن الواقع التركي يكشف أن أنقرة مصرة على فصل علاقتها مع إيران وروسيا عن علاقتها مع سوريا، فهي في ما يتعلق باستيراد النفط والغاز ستحافظ على «علاقة الود» مع إيران، ولن تلتزم بالمقاطعة الدولية، وهذا يرضي إيران، أما في ما يتعلق بالشق الأمني فإنها تتصرف على أن أمن تركيا فوق المصلحة الإيرانية، وبالتالي السورية والروسية.

وكان تحقيق نشرته صحيفة «الزمان» التركية مؤخرا حكى عن إحباط أنقرة لعمليات إرهابية إيرانية كانت ستقع فوق الأراضي التركية، وقد تكون تلك العمليات تأكيدا لما تضمنته رسالة المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي إلى الأسد، التي تناولت الرد على تكتيكات الترهيب التركية بتعزيز التحالف الإيراني - السوري، ودفع هذا إلى التهديد الإيراني المستمر بالهجوم على منشآت حلف شمال الأطلسي في تركيا.

يضاف إلى هذا أن إيران منزعجة جدا من الجهود التي تبذلها تركيا لاعتراض شحنات الأسلحة من إيران إلى حزب الله، وكانت المرة الأخيرة خلال شهر يناير (كانون الثاني) الماضي عندما أحبطت السلطات التركية محاولة إيرانية لشحن معدات عسكرية عبر ممر «كيليس» الحدودي بين سوريا وتركيا. وفي المجموع صودرت أكثر من خمس شاحنات خلال بضعة أيام، والتي وفقا لتقارير نشرتها الصحافة التركية كانت تحمل معدات ذات صلة بصناعة صواريخ أرض - أرض. وكانت محاولة تهريب بواسطة الشاحنات أحبطت بطريقة مماثلة في شهر أبريل (نيسان) من العام الماضي. وفي شهر أغسطس (آب) من العام الماضي أيضا اعترضت السلطات التركية شحنة أسلحة من إيران إلى سوريا كانت على طائرة إيرانية، وذكرت الصحافة التركية أن الطائرة كانت تحمل أسلحة خفيفة، بما في ذلك بنادق آلية وقاذفات صواريخ وقذائف الهاون. قبل ذلك في شهر مارس (آذار) من العام الماضي اعترضت السلطات التركية شحنة مماثلة على متن طائرة «إيرباص».

هل ما نقلته الصحافة اللبنانية هو تسريبات سورية لبلبلة المعارضة السورية المقيمة في إسطنبول؟ ثم كيف يمكن لطهران إجراء مساعٍ مع تركيا والخلافات تعصف داخل القيادة الإيرانية حتى حول السياسة الإيرانية - السورية؟ ولم تسعف كل تصريحات محمود أحمدي نجاد الأخيرة حول الخطوات النووية الجديدة، في تخفيف حدة هذا الصراع الذي تصاعد وراء الكواليس وكذلك في تغطية الإعلام الإيراني له.

ذكرت وسائل الإعلام الإيرانية أن أحمدي نجاد أشار إلى المرشد الأعلى وكبار قادة «الحرس الثوري» الإيراني بأنهم «مجموعة من المجانين». هذا التعبير يتوافق مع موقف أحمدي نجاد العام.

في الآونة الأخيرة أعرب أحمدي نجاد وراء الأبواب المغلقة عن شعوره بالإحباط من بعض التدابير المتعلقة بالسياسة الخارجية التي يروج لها آية الله علي خامنئي. من بين هذه التدابير: المساعدة الواسعة النطاق لسوريا، ومحاولة شن هجوم فوق الأراضي الأميركية، واقتحام السفارة البريطانية.

يجب أن ندرك أنه على الرغم من معارضة أحمدي نجاد لهذه التدابير، التي قد تجعله يبدو أكثر اعتدالا مقارنة بخامنئي وقاسم سليماني (قائد فيلق القدس)، فإن الأسباب الكامنة وراء اعتداله هي في الأساس تكتيكية وسياسية وعلى علاقة بالوعود التي قطعها للجماهير الإيرانية قبل الانتخابات، والتي تهشمت مع انهيار الأوضاع الاقتصادية، طوال فترة رئاسته، رغم ارتفاع أسعار النفط والغاز وسعر صرف الريال - قبل العقوبات الأخيرة التي جعلت الريال يفقد نحو 40% من قيمته - وتعكس أيضا مخاوفه بشأن الانتخابات النيابية المقبلة المقررة في الثاني من الشهر المقبل، والتي تخوضها أخته.

في عدة لقاءات، بما في ذلك اجتماعات الحكومة والمنتديات الأمنية، أعرب أحمدي نجاد عن معارضته الشديدة لهذه التحركات، محذرا من آثار تداعياتها على إيران. ونقلت عنه شكوى إلى زملائه: «إنهم يستعدون للانتخابات النيابية ويحاولون تقويض سلطتي بتصويري أنني متشدد فشل في احترام كلمته».

كذلك انتقد أحمدي نجاد المساعدة الأمنية لسوريا، ردا على تصاعد الاحتجاج الشعبي ضد نظام بشار الأسد. وحسب مصدر مطلع، فبعد اندلاع الاحتجاجات في المدن السورية أرسلت إيران وحزب الله مجموعات إلى سوريا لتدريب قوات الأمن المحلية على مواجهة المتظاهرين وفقا للدروس المستفادة من الإيرانيين بعد نجاحهم في قمع الاحتجاجات التي اندلعت في المدن الإيرانية في صيف عام 2009، في أعقاب الانتخابات الرئاسية.

أوضح أحمدي نجاد لمساعديه أنه من المعارضين لهذه التدابير، «لكنها اعتمدت في أي حال بتوجيه من قائد فيلق القدس وبموافقة المرشد». وكان قاسم سليماني قائد فيلق القدس زار دمشق في شهر يناير الماضي. وأشارت التقديرات إلى أن الزيارة تناولت الصعوبات التي تواجهها إيران في تهريب الأسلحة إلى سوريا (الدور التركي) وعبرها إلى حزب الله، وسبل التغلب على هذه التحديات (وصول سفينتين إيرانيتين من الأسطول البحري الإيراني الثامن عشر الذي يتكون من السفينة الحربية «خرق» القادرة على حمل ثلاث طائرات هليكوبتر وطاقم مكون من 250 بحارا، والمدمرة «شهيد نقدي»).

الدعم الوحيد لسوريا الذي أيده أحمدي نجاد وسوّقه بقوة عبر وزير النفط رستم قاسمي ووزير الخارجية علي أكبر صالحي، كان الجهود السورية لتجاوز العقوبات المفروضة على قطاع النفط لديها. أيد أحمدي نجاد هذه الخطوة بسبب التقارب الخاص بين المصالح السورية والإيرانية، فكلاهما قد تعرض للعقوبات، وهكذا شحنت السفن الإيرانية أكثر من 80 ألف طن من النفط الإيراني ليتم بيعه لمصلحة سوريا.

أما بالنسبة إلى اقتحام السفارة البريطانية فإن أحمدي نجاد الذي شارك في اقتحام السفارة الأميركية عام 1979 قال إنه لم يتم التنسيق معه بأي شكل من الأشكال.

سبب انتقاد أحمدي نجاد المتزايد حسبما قال هو أن الجمهور يمثل حجر الزاوية لنظام «ولاية الفقيه» (جوهر النظام الإيراني الإسلامي)، وأن الشخص الذي يمثل رغبات هذا الجمهور هو من تم اختياره من قبل الرأي العام (أي أحمدي نجاد نفسه كرئيس منتخب)، وليس المرشد. ونقل عنه مساعدوه قوله: «إن روح الله لا تحوم فوق خامنئي، كما فعلت مع الخميني» (اعتمد اللعب على الكلمات، إذ إن الاسم الأول للخميني هو روح الله). وفي عدة مناسبات أوضح أحمدي نجاد لمقربين منه أنه على الرغم من أن المرشد مكلف نظريا بـ«ولاية الفقيه»، لكن في الممارسة العملية حصل هو (أحمدي نجاد) على التفويض للحكم، لأنه منتخب من قبل الشعب.

لكن بناء على نصيحة مساعديه امتنع «الرئيس» عن تكرار هذا في العلن، لكن لم يمنع هذا الامتناع من أن تتسرب أقوال وآراء أحمدي نجاد في ما يتعلق بالحاكم الأحق، في نظره إلى «ولاية الفقيه».