وثيقة التأمين المعيبة التي يروج لها الجنرال

TT

يعلم دارسو التاريخ أن الحرب أخطر من أن تترك للجنرالات، لأنهم معروفون دائما باستعدادهم لخوض المعركة الأخيرة لا التالية.

والجنرال محمد علي عزيز جعفري، قائد قوات الحرس الثوري الإيراني، ليس استثناء في ذلك، وقد أشرف هذا الأسبوع على واحدة من أضخم المناورات العسكرية البرية التي يجريها الحرس الثوري.

تهدف المناورات التي رمز لها باسم «الفجر» إلى اختبار القدرات العسكرية الإيرانية ضد جيش غاز، ولتتمم المناورات البحرية التي أجريت الشهر الماضي بهدف إظهار قوة إيران في إغلاق مضيق هرمز.

تصور المناورات البحرية والبرية المتعاقبة مسار الطائرات الحربية الذي يتوقعه جعفري، والذي جاء في سياق تصريحه للصحافيين الأحد الماضي: «نحن مستعدون للدفاع على طول ساحل الخليج، حيث تشير أغلب التوقعات إلى أن العدوان على الجمهورية الإسلامية سيأتي من هذه الجهة. نحن نعتقد أن الحرب محتملة ونرغب في أن نكون مستعدين لها».

ورغم عدم تسمية الجعفري للولايات المتحدة بأنها «المعتدي» المتوقع، أشار إلى أن استراتيجيته تضع في اعتبارها «الدروس المستفادة من التجربة الأميركية في الدول المجاورة». وأكد بالقول: «لقد درسنا ما فعله الأميركيون ونحن مستعدون لمواجهة تحركاتهم».

وأشار الجنرال أيضا إلى أن الحرس الثوري الإيراني يستعد للدفاع في العمق. وبحسبه، فإن الغزو المرتقب سيؤثر على أربع محافظات جنوبية هي خوزستان وهرمزغان وكيرمان وفارس، مضيفا محافظة يزد في وسط البلاد دون أسباب محددة.

من الصعب رؤية مدى ما تعكسه خطة الجعفري للتجربة الأميركية في الدول المجاورة، فالتدخل الأميركي في أفغانستان في عام 2001 وفي العراق في عام 2003 يختلف بشكل جذري في التصور والتنفيذ.

ففي أفغانستان ركزت الولايات المتحدة وحلفاؤها على الضربات الجوية، متخلية عن النزال الأرضي، بما في ذلك تحرير كابل، لقوات أفغانية بقيادة التحالف الشمالي، وفي المقابل تدخلت الولايات المتحدة في العراق بشكل مباشر عبر قوة تدخل سريع تحاشت المناطق السكانية الرئيسية، متجهة صوب بغداد مباشرة.

ويمكن للمرء أن يكون على يقين من أن الولايات المتحدة إذا ما قررت غزو إيران، والذي يعتقد القليلون أنه سيقع، ستكون طائراتها الحربية مختلفة عن تلك التي شهدناها في العراق وأفغانستان، حيث يعلم المخططون الحربيون الأميركيون أن إيران دولة مركزية إلى حد كبير، ما يهم فيها هو من يسيطر على العاصمة طهران، ففي القرن التاسع عشر فقد شاهات قاجار ما يزيد على 650000 كيلومتر مربع من الأرض، تساوي مساحة فرنسا، لصالح روسيا، لكنهم حكموا 100 عام أخرى لأنهم تمكنوا من السيطرة على طهران.

لن يكون للولايات المتحدة مصلحة في هزيمة خمس محافظات إيرانية إذا كان النظام الذي يسبب المشكلات لا يزال قائما في طهران. لا يمكن أن يكون هدف الولايات المتحدة تفكيك إيران كدولة، بل تدمير نظام نصب نفسه متحديا للإمبريالية الأميركية في المنطقة وما وراءها. وعلى أي حال، لا يتوقع أن يشن قائد أميركي حربا إذا كان ذلك يعني التزاما كبيرا على الأرض لشهور، إن لم يكن لسنوات. أما حرب العصابات التي يتحدث عنها الجعفري تنتمي لسيناريو آخر.

ما يثير السخرية هو أن هذا السيناريو كتبه مخططون حربيون عسكريون أميركيون وإيرانيون عام 1974 كجزء من استراتيجية متوقعة للتعامل مع الغزو المحتمل لإيران من قبل الاتحاد السوفياتي.

كانت الفكرة هي أنه في حال غزا الاتحاد السوفياتي إيران، فسيتم سحب خيرة القوات الإيرانية إلى جنوب زاغروس، واحدة من السلاسل الجبلية الثلاث التي تشكل الهضبة الإيرانية حيث تقع أربع من بين المحافظات الخمس التي جاءت ضمن خطة الجعفري. وما إن تتمركز هناك ستحارب القوات الإيرانية لوقف التقدم السوفياتي حتى يتدخل الأميركيون وباقي الحلفاء للقيام بمهمة الإنقاذ.

أحد الأهداف وراء الانتقال جنوب زاغروس كان تأمين الآبار النفطية الإيرانية التي يتركز 90% منها في محافظتي خوزستان وفارس. (لأغراض عسكرية اعتبرت محافظة بوشهر جزءا من محافظة فارس ومحافظة كهكيلويه كجزء من محافظة خوزستان).

كان الهدف الآخر هو الحفاظ على مضيق هرمز مفتوحا حتى تتواصل صادرات النفط إلى العالم الحر دون انقطاع.

درست الخطة في كلية الدفاع الوطني الإيراني كواحدة من بين سيناريوهات كثيرة مع الاتحاد السوفياتي، ومن المرجح أن الجعفري عثر على نسخة منها في الأرشيف العسكري في طهران وقرر إعادة صياغتها، وإذا ما فعل ذلك فلن يكون أول جنرال يخطط لحرب مستقبلية في ضوء خطط لحرب سابقة، والتي، في هذه الحالة، لم تحدث، بيد أن الجعفري ارتكب عددا من الأخطاء:

أولا: خطة «جنوب زاغروس» الأصلية ربما تكون مقنعة في سياق حرب عالمية ثالثة. لكنها لن تكون ذات مغزى في حرب إقليمية تهدف إلى إجبار إيران على تغيير سلوكها أو، إذا ما فشل ذلك، تغيير النظام في طهران.

ثانيا: في السيناريو الأصلي كان الغزو سيأتي من الشمال، ومن ثم ستكون المحافظات الجنوبية ملاذات آمنة للقوات الإيرانية، وفي نسخة الجعفري يفترض أن يحدث الغزو من الجنوب، ليضع المحافظات الأربع في خط المواجهة، ومن المنطقي أنه ينبغي على الجعفري الاستعداد للتحرك في الاتجاه المعاكس، بالانسحاب من الجنوب لسحب الجيوش المحتلة إلى العمق الإيراني ثم قتالها على طول شريط ضيق شمال خط زاغروس.

وأخيرا، في الخطة الأصلية كانت إيران تضطلع بدور تأخير تكتيكي في سياق حرب عالمية. وكان واضحا أن إيران لن تتمكن، بمفردها، من صد الغزو السوفياتي، ناهيك عن هزيمة معتد يملك أسلحة نووية، بيد أنه في نسخة الجعفري لن يكون هناك سلاح خيالة يسارع إلى الإنقاذ، والجعفري ذكي بما يكفي كي يتوقع ألا يلعب المرتزقة من حزب الله والجهاد الإسلامي هذا الدور.

خلاصة القول: إن قائد الحرس الثوري حصل على خطة قديمة وقلبها رأسا على عقب وقدمها على أنها وثيقة تأمين إيران.

ربما يكون الجعفري بائعا ماهرا، لكن دعونا نأمل ألا تكون النخبة الحاكمة في طهران من السذاجة لأن تقود البلاد إلى حرب تقوم على خطة الجعفري.