اجتثاث «البعث» من الدستور السوري

TT

دعوة الأسد إلى إجراء استفتاء في السادس والعشرين من فبراير (شباط) أثارت تساؤلا حول كيفية تحقيق ذلك في ظل المعارك الدامية اليومية بين قوات الجيش السوري والثوار ومن يدعمهم من جنود. والسؤال الآن هو: كيف يمكن الوثوق في هذا النظام وقبول إجرائه لاستفتاء؟

شكّل الأسد لجنة لصياغة الدستور، ويعني تشكيله للجنة أن الإصلاح سيكون من القمة. فالدستور الجديد يتضمن فصلا ينص على وضع حد لاحتكار حزب البعث للحكم. وتمثل المادة رقم «8» قلب الدستور، الذي لا يبدو أنه يدق، حيث وضعت مادة جديدة بدلا منها هي عكسها تماما. تبعث المادة الجديدة للسوريين والعالم أجمع برسالة تؤكد نهاية حزب البعث، وتنص على غياب حزب البعث والاحتكار السياسي. الرسالة واضحة، وهي أن الدستور الجديد يرحب بالتعددية.

نص المادة هو كالآتي:

1) يقوم النظام السياسي للدولة على مبدأ التعددية السياسية، وتتم ممارسة السلطة ديمقراطيا عبر الاقتراع.

2) تسهم الأحزاب السياسية المرخصة والتجمعات الانتخابية في الحياة السياسية الوطنية، وعليها احترام مبادئ السيادة الوطنية والديمقراطية.

3) ينظم القانون الأحكام والإجراءات الخاصة بتكوين الأحزاب السياسية.

4) لا يجوز مباشرة أي نشاط سياسي أو قيام أحزاب أو تجمعات سياسية على أساس ديني أو طائفي أو قبلي أو مناطقي أو فئوي أو مهني، أو بناء على التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو العرق أو اللون.

5) لا يجوز تسخير الوظيفة العامة أو المال العام لمصلحة سياسية أو حزبية أو انتخابية.

ويعني هذا انتقال سوريا إلى حقبة جديدة. من المهم معرفة ردود الفعل تجاه هذا الدستور الجديد والاستفتاء. ويبدو أن هناك اتفاقا بين السياسيين والحكومات والمحللين السياسيين إزاء ما يحدث في سوريا. في واشنطن، نظر إلى الاستفتاء على أنه «مزحة»، حيث قال المتحدث باسم البيت الأبيض، جاي كارني، يوم الأربعاء الموافق 22 فبراير «إن هذا يعد استهانة بالثورة السورية، حيث عادة ما يعقب الوعود بالإصلاح تكثيف أعمال العنف والوحشية التي يرتكبها النظام منذ بداية اندلاع المظاهرات السلمية في سوريا». رفض بعض السوريين ومنهم أعضاء في المجلس الوطني السوري الاستفتاء ورأوا أنه ليس سوى «ضحك على الذقن». وتعني صياغة دستور جديد اجتثاث حزب البعث، وهو الحزب الوحيد الذي يحكم البلاد، وتحديد فترة الرئاسة بسبع سنوات، بحد أقصى فترتان رئاسيتان، لكن من يستطيع أن يضمن أن بشار لن يغير رأيه بعد قمع الثورة والمقاومة؟ لهذا يعتقد بعض النشطاء السوريين ومنهم برهان غليون، أن هذه خدعة وسراب. وقال أعضاء اللجنة إنهم سعوا إلى كتابة دستور يضمن كرامة المواطن السوري وحقوق الإنسان الأساسية لتكون سوريا نموذجا في الحريات العامة والتعددية السياسية.

في أبريل (نيسان) ألغى الرئيس بشار الأسد العمل بقانون الطوارئ الذي كان يعوق أكثر البنود المتعلقة بالحماية في الدستور منذ أن تولى حزب البعث السلطة بعد القيام بانقلاب عسكري عام 1962. ومنذ هذا التصريح، يقول النشطاء في مجال حقوق الإنسان، إن عدد القتلى على يد القوات الموالية للنظام وصل إلى 8 آلاف.

وقال أنس العبده «يجرب النظام السوري خدعة أخرى من أجل تشتيت الانتباه بعيدا عما يرتكبه من جرائم ضد الإنسانية في سوريا منذ ثلاثة أشهر بوجه عام وجرائمه في حمص وريف دمشق وإدلب وحماه خلال الأسابيع القليلة الماضية بوجه خاص. مثل هذا النظام غير قادر أخلاقيا أو سياسيا على تقديم دستور جديد للسوريين. ليست المشكلة الرئيسية في الدستور، بل في سيطرته المطلقة على الجيش وقوات الأمن. طالما استمرت في ذلك، فستكون كل الوعود مجرد كلام».

ما يثير جدلا كبيرا هنا هو ما إذا كان هناك نزاهة في استفتاء على دستور جديد تمت صياغته وإجراؤه خلال هذه المدة القصيرة في الوقت الذي تشهد فيه البلاد فوضى واضطرابات.

ورفض البعثيون مثل هذا التغيير وأعربوا عن اكتفائهم بميثاق عام 1973 الذي وقع خلال فترة حكم حافظ الأسد لأنه مكنهم من احتكار السلطة. المشكلة الأساسية في الدستور هي المادة رقم «8» التي وصفت حزب البعث باعتباره «قائد الدولة والمجتمع». هناك 12 بندا يتعلق بالدولة الاشتراكية التي كانت بسوء المادة «8». فلننظر إلى مزايا وعيوب الدستور السوري الجديد الذي شارك في صياغته لجنة دستورية تتكون من 29 عضوا. وتم حذف كل البنود الخاصة بالوحدة والحرية والاشتراكية التي تشير إلى الاقتصاد الاشتراكي والتعليم والجيش والثقافة والمجتمع. ويبدو أن حقيقة أن حزب البعث قلب النظام، وأن الاشتراكية هي النهج السياسي والاقتصادي والاجتماعي، قد تغيرت. وكما نعرف، فالحزب والاشتراكية هما روح البعث الذي له وجهان هما العراقي والسوري. وكانت نهاية حزب البعث في العراق بمثابة كارثة عظيمة للعراق كبلد وللعراقيين كشعب.

خلال السنوات الأخيرة لحكم صدام حسين كان هناك شخص يجلس بجوار قبر ميشيل عفلق ويتلو آيات قرآنية على روحه، حيث يقال إن عفلق اعتنق الإسلام قبل وفاته. واستخدم الأميركيون ذلك المكان بعد غزو العراق كثكنات لقوات الجيش المتمركزة داخل المنطقة الخضراء.

ودمر القبر تماما خلال الغزو، حيث أصدر المجلس الحاكم أوامر في إطار سياسة اجتثاث البعث بنقل نعشه وتدمير القبر.

لقد كانت نهاية حزب البعث في العراق، وكان من الواضح أن نهاية عفلق كانت مرتبطة بنهاية الاشتراكية والماركسية وانهيار الاتحاد السوفياتي. لقد كنت أقرأ مؤخرا واحدا من أهم كتبه وهو «في سبيل البعث» الذي يتكون من خمسة أجزاء، ويعد من أهم مراجع فكر حزب البعث، فهو يوضح آيديولوجيته.. يمكننا الآن قراءة الكتاب من أجل الحصول على بعض المرح. وعلى سبيل المثال قال عفلق عام 1950:

«أيها البعثيون، لقد ركز حزبكم قواعده على صخرة جبارة في قوتها ومتانتها.. هي مصلحة عشرات الملايين من العرب يريدون أن يتحرروا من البؤس ليصبح كل منهم مصدر حياة وخلق حضارة جديدة في العالم» («في سبيل البعث»، المجلد الرابع، ص: 49).

لقد شهدنا إقامة أسوأ أشكال الاستبداد في العراق وسوريا استنادا إلى هذه الكلمات. هناك مفارقة في مصير حزب البعث وفكر البعث ومرجعيته، حيث يبدأ الدستور السوري الجديد بوصف الحضارة. لقد أنهى البعث الحضارة التي يدعي أنه أقامها بقتله الأبرياء وتعذيب المناضلين من أجل الحرية والتسبب في معاناة العراقيين والسوريين. أعتقد أن الحل الوحيد المتاح أمام الأسد وعائلته الآن هو بدء حياة جديدة. من الواضح أن مستقبله انتهى في مقامرة كبيرة، فهو المسؤول عن المذابح التي تحدث في سوريا، فإذا قبل أن ينهي حزب البعث في سوريا، فعليه أن يقبل نهاية حكم عائلة الأسد، حيث لا توجد أي فرصة لأن يكون «حافظ» ثانيا. سيكون من المحال قبول سوريا جديدة بدون حزب البعث، بينما تظل عائلة الأسد على قمة السلطة.