جمل المزة الهائج وجمل الصحراء

TT

سخر نزار قباني من «بعض العرب» البعيدين عن دمشق بقوله:

أيا جملا من الصحراء لم يلجم

ويا من يأكل الجدري

منك الوجه والمعصم

فبعت القدس، بعت الله،

بعت رماد أمواتك

كأن حراب إسرائيل

لم تجهض شقيقاتك

ولم تهدم منازلنا

ولم تحرق مصاحفنا

يا ليت نزار عاش ليعرف أن الجمل الهائج الذي لم يلجم لم يكن في حقيقة الأمر والواقع بعيدا عن بيت نزار في دمشق سوى بضعة كيلومترات، وأن هيجان «جمل المزة» كان على شعبه فاتكا مدمرا، وأن بعض جنوده كانوا أكثر كفرا من بيع الإله إلى تحقيره وسبابه، بل دعوا رئيسهم من دون الله وجعلوه أحدا فردا صمدا، وهو الذي باع تحرير الجولان، واشترى منه الإسرائيليون أمن حدود إسرائيل الشمالية، وكان كما عهده الإسرائيليون صادقا وفيا لم يطلق رصاصة واحدة. المفارقة الوحيدة بين جمل الصحراء و«جمل المزة»، أن الجدري لم يترك ندوبا على وجهه ومعصمه، لسبب بسيط أنه ذاته تحول فأصبح هو الجدري الذي ترك ندوبا شديدة التقيح على وجه الشام الجميل.

أحد جمال الصحراء الأصيلة هو الذي يحاول هذه الأيام فك القبضة التي أطبقها «جمل المزة» الهائج على رقبة شعبه، الجمل الأهوج الذي صنع في شعبه من الفظائع وجرائم الحرب ما لم تصنعه إسرائيل في الفلسطينيين وفي السينائيين طيلة سنوات احتلالهما، «جمل المزة» الهائج هو من عض يد جمل الصحراء، الذي غض الطرف عنه رغبة في استتباب الأمن في لبنان لينتهز الفرصة ويجعل ظهره ولثلاثة عقود من الزمن مركبا عبر منه الإيرانيون إلى لبنان ينفذون منه وفيه وحوله استراتيجيتهم لخلخلة عالمنا العربي وزرع الفتن الطائفية فيه تحت شعار الممانعة، تلك الكذبة الكبرى التي عراها ثوار سوريا الشرفاء، واغتالوا رموز لبنان الأقوياء مثل رفيق الحريري تحت شعار التوسط بين الفرقاء.

جرائم بشار المفزعة هي التي جعلت السياسة السعودية تخرج عن نمطها التقليدي المعروف بالهدوء وانتقاء المصطلحات السياسية بعناية، فقد استحر القتل والتنكيل والتعذيب في الشعب السوري إلى درجة صار من الخزي استخدام المصطلحات السياسية الباردة لحل مشكلة شديدة السخونة والخطورة، فكان رد الملك عبد الله الصريح والمدوي في مكالمته الأخيرة مع القيادة الروسية التي رعت ودعمت جرائم النظام السوري بخبرة المافيا الروسية، ثم الموقف القوي الذي تبنته السعودية في المؤتمر الهزيل في تونس، الذي كاد أن يتحول بسبب ضعف مقرراته من أصدقاء سوريا إلى أصدقاء بشار، فانفجرت الغضبة السعودية بتصريح وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، الذي وصف مشروع تسليح المعارضة السورية بأنه فكرة ممتازة، وهنا مفارقة لافتة، فالرئيس منصف المرزوقي «الثوري» وأشرس معارضي نظام بن علي يعترض على تسليح المعارضة السورية، وممثل الدبلوماسية السعودية الهادئة المحافظة يطالب بالتسليح.

ويبدو أن أحد عوامل إشعال الغضب السعودي ليخرج بهذه الحدية الواضحة، ومنها المطالبة بتنحي بشار بالرضا أو بالإكراه، أن سوريا، وعلى لسان الرئيس بشار نفسه وبدناءة سياسية واضحة، لوحت بإشعال كامل المنطقة، وهذا تلويح شبه صريح للعب بالورقة الطائفية، فلا يستبعد أن الاستفزازات ضد الأمن السعودي في المنطقة الشرقية جاءت بتنسيق سوري - إيراني، وبهذا يتضح من هو الجمل الهائج الذي لم يلجم، بل والذي أشرك معه جمالا إيرانية هائجة يرعاها بالتناوب الدب الروسي والتنين الصيني.

[email protected]