في قطار مراكش

TT

في 13-9-1938 كتب جورج أورويل هذه اللوحة من مراكش:

«الصيف يحتفل بوصوله وزواله في المغرب الإسباني (تحت الاستعمار) وليس الفرنسي. جنود فرانكو يملأون محطات القطار بثياب تشبه تماما جنود الحكومة الإسبانية. يقام بتفتيش الحقائب على القطار ولكن بإهمال شديد كما هي عادة الضباط الإسبان. دخل المقطورة ضابط آخر وصادر جميع الصحف الفرنسية، حتى تلك المؤيدة لفرانكو. وقد ضحك الركاب الفرنسيون من ذلك وربما شاركهم الضابط نفسه. من الواضح أن المغرب الإسباني أقل تقدما من الفرنسي، ربما بسبب قحط تلك المنطقة. ويبدو الفارق كبيرا في الجنوب حيث يزرع الأرض المغاربة وأوروبيون. ولدى هؤلاء مساحات كبرى مزروعة بالقمح. وتبدو الحقول من نافذة القطار فسيحة تمتد إلى الأفق. فارق هائل في الخصب. التربة في بعض الأماكن غنية وشديدة السواد، وفي بعضها الآخر مثل قرميد متكسر.

إلى الجنوب من كازابلانكا الأرض بصورة عامة أقل خصوبة، معظمها غير محروث وخالية من الكلأ للمواشي. على طول 50 إلى مائة كلم شمال مراكش صحراء تامة. تلال وسهول من الصخور والرمال ولا زرع إلا قليله. نحو نهاية المغرب الإسباني تبدأ الحيوانات بالظهور: الجمال كثيرة كالحمير والغنم والماعز لكن الخيول قليلة والبغال نادرة. تتم الحراثة بالثيران قرب مراكش ثم تختفي شمالا. كل الحيوانات دون استثناء في حالة مزرية. لأن هذه ثاني سنوات الجفاف والمجاعة. كازابلانكا لها ملامح مدينة فرنسية تماما: (سكانها 150 ألف إلى 200 ألف نسمة ثلثهم أوروبيون) ثمة ميل لدى الفريقين لعدم الاختلاط. الأوروبيون يقومون بالأعمال اليدوية والمكتبية من جميع الأنواع ويتقاضون أجورا أعلى من المغاربة. وفي الباصات يميل الأوروبيون إلى عدم الجلوس قرب المغاربة. مستوى المعيشة ليس متدنيا بصورة ظاهرة والاستعطاء أقل منه في مراكش وطنجة.

في مراكش أحياء أوروبية كثيرة لكن طابع المدينة الأساسي مغربي. سائقو التاكسي أوروبيون في كازابلانكا ومغاربة في مراكش. الفقر شديد من دون شك. الأطفال يستعطون الخبز وعندما يعطونه يأكلونه بشراهة. في حي البازار (السوق) ينام كثيرون في الشوارع عند مدخل كل مبنى. العميان كثيرون. عدد من اللاجئين يخيمون خارج المدينة، يقال إنهم هربوا من المجاعة في الجنوب. يقال هنا إنه ممنوع قانونا زرع شتول التبغ في الحدائق.

تشاهد الطيور من سائر الأنواع على طول خط الرحلة طنجة - مراكش - الدار البيضاء. نسور وبواشق وغربان وبعض الحجال. يقال ان لا أرانب هنا ولا ثعالب. التمور ناضجة تقريبا الآن. صفراء لامعة تتدلى كثيفة في عناقيد ضخمة من أعالي النخيل. ثمة أنواع كثيرة من النخل، بينها قصير القامة. الجوز أيضا ناضج. الخوخ والدراقن ليس كذلك. الليمون هنا مستدير وأخضر مثل الليمون الهندي ولكن أضخم وأقسى قشرة. العنب كثير ورخيص جدا. الحياة البحرية في كازابلانكا شبيهة تماما بما هي عليه في إنجلترا».