كلينتون: أخشى أننا نسلح الظواهري!

TT

في تصريح لمحطة «سي بي إس» الأميركية قالت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون إنها ليست مع تسليح الشعب السوري الثائر على النظام. قالت: «نحن نعلم أن زعيم (القاعدة) أيمن الظواهري يؤيد المعارضة السورية. فهل نؤيد (القاعدة) في سوريا؟ والآن أصبحت حماس تؤيد المعارضة السورية. فهل نؤيد حماس في سوريا؟». ثم تساءلت: «لو كنتَ مخططا عسكريا أو وزيرا للخارجية (الأميركية) وتريد أن تتخذ قرارا، فهل ترى مقومات المعارضة الحقيقية، غير ما نراه؟ كل ما نراه معاناة إنسانية تفطر القلب».

هكذا تختزل الثورة السورية، صومال أو أفغانستان جديدة!

نعم، يمكن أن تتحول سوريا إلى صومال آخر إذا كانت الوزيرة كلينتون تنظر هكذا إلى أكبر ثورة في تاريخ المنطقة، أكبر من كل ثورات الربيع العربي الأخرى، حجما وحماسا ودما وتأييدا في عرض العالم العربي. على كلينتون أن تتذكر أنه من الأيام الأولى، قبل أكثر من 11 شهرا، عندما اندلعت مظاهرات درعا بعد سجن الأطفال وتعذيبهم وقهر آبائهم، حينها لم تكن قد أطلقت من الشارع رصاصة واحدة، بل كان كله رصاص الأمن السوري. لم ينشق عسكر، ولم يرفع سلاح، ومع هذا كان أول بيانات الحكومة السورية يدعي أن المتظاهرين جماعات دينية متطرفة، مرة سلفية ومرة أخرى إرهابيون مندسون. واستمر الحال في سوريا بمظاهرات سلمية لعدة أشهر امتدت لكل المناطق، واعتمد النظام في دعايته على أن هناك جماعات إرهابية مسلحة، حتى ظهرت أول صور لمنشق عسكري، حسين هرموش.

لقد حرص النظام على ترويج رواية الجماعات المتطرفة، واتهام السلفيين و«القاعدة»، وأظهر أناسا على شاشات تلفزيونه يدعي أنهم مندسون جاءوا بترتيب خارجي.

نحن نعرف أن النظام السوري كان الحاضن الأول لتنظيم القاعدة عندما كان ينطلق عناصره من أراضي سوريا نحو العراق خلال السنوات السبع الماضية. ولدى الجانب الأميركي الكثير من البراهين على أن معظم الانتحاريين، وبقية الإرهابيين، عبروا الحدود من سوريا إلى العراق. أيضا هناك الكثير من المعلومات عن فريق مهم من «القاعدة» لجأ إلى إيران بعيد حرب أفغانستان واستوطن هناك، ولا يزال يعمل من داخل إيران، الحليف الأول لسوريا. وبالتالي ليست مصادفة أن يذيع أيمن الظواهري، زعيم «القاعدة»، بيانه مؤيدا الثورة ضد النظام السوري. وهنا نحن أمام احتمالين لا ثالث لهما؛ أنها لعبة ضمن استراتيجية النظام السوري الراغب في تخويف الغرب من الثورة السورية محذرا أنها جماعات إرهابية وبيان الظواهري يؤكد ذلك. والثاني أن «القاعدة» بالفعل تبحث لنفسها عن مكان في قضية هي الأكثر شعبية في العالمين العربي والإسلامي.

فإذا كانت كلينتون ترى أن بيانات «القاعدة»، وربما دخول مقاتلين من «القاعدة» وبقية الجهاديين المتطرفين في ساحة الحرب السورية، سبب للابتعاد وإغلاق الباب أمام الثورة السورية، فإننا نؤكد أنها ترتكب خطأ كبيرا. سوريا، مثل كوريا الشمالية وإيران وكوبا، من بين دول قليلة في العالم لا يزال نظامها يقوم على القمع الأمني الشرس. ونحن أمام ثورة شعبية لا يمكن أن تقبل بالعودة إلى الوراء، وإذا أرادت الولايات المتحدة أن تنظر إلى تطلعات 25 مليون سوري على أنها جزء من نشاط «القاعدة» فقد يختطف الإرهابيون الثورة حقا، وستكون «القاعدة» هي البطلة التي تتصدى لنظام الأسد.

إسقاط النظام، مسألة وقت، أمر لا أحد يشكك فيه هنا، ويبقى لكل قوة في المنطقة، أو في العالم، أن تقرر لنفسها كيف تتعامل مع تركة نظام الأسد، وإن كانت تسمح بسرقة الحدث لجماعات تبحث عن قضية ومكان وجمهور، كـ«القاعدة» التي خسرت كثيرا في السنوات القليلة الماضية.

ومن خلال رصدنا لما يكتب ويقال في عرض العالم العربي اليوم، نرى ظهور صيحات الجماعات الجهادية المتطرفة لتبني الثورة السورية، لاعتقادها - أولا - بأنها قضية شعبية، وثانيا لأنها ترى التلكؤ الدولي والاكتفاء بالمؤتمرات بعد عام من الإبادة الممنهجة.

ونحن نتفهم أن ترفض كلينتون تسليح الثوار وهي ليست واثقة من حقيقتهم، لكن ماذا عن البديل؟ البديل تكرار سيناريو ليبيا، حركة مسلحة على الأرض بدعم جوي دولي. ومن خلالها يمكن فرز القوى الوطنية السورية من الجماعات الجهادية المرفوضة، أو كما تسميهم دمشق بالمندسة. أما خيار التخلي عن سوريا فسيورث أرضا محروقة، بجماعات تقاتل النظام وأطراف النظام لزمن طويل تعشعش في أرضها جماعات إرهابية محسوبة على النظامين السوري والإيراني.

[email protected]