إيران بين تغيير النظام والتغيير داخل النظام

TT

يتوجه اليوم نحو 52 مليون إيراني ممن لهم حق التصويت لانتخاب أعضاء مجلس الشورى الإسلامي المكون من 290 مقعدا، ذلك البرلمان المصطنع الذي شكل بعد استيلاء الملالي على السلطة عام 1979.

السؤال الآن هو: هل ينبغي لأحد الاكتراث لذلك؟

لعدة أسباب، الإجابة قد تكون: لا.

وبادئ ذي بدء، لا تعتبر هذه الانتخابات انتخابات حقيقية، حيث إن الناخبين مدعوون للاختيار من بين مرشحين تم اختيارهم والموافقة عليهم من قبل عن طريق النظام.

بداية يجب على المرشحين المتقدمين للانتخابات تلبية لائحة طويلة من الشروط؛ منها ما هو ملموس مثل الحصول على درجة الماجستير، ومنها غير الملموس مثل الولاء لولاية الفقيه أو حكم الملالي.

لكن، كم عدد الإيرانيين الذين يحملون درجة الماجستير؟ والأكثر أهمية من ذلك هو: كم عدد الذين يرغبون في قضاء باقي أعمارهم تحت حكم فقيه؟ وأيا كانت الإجابة، فمن الواضح أن الغالبية العظمى من المواطنين الإيرانيين مستبعدون من الترشح منذ البداية.

ثانيا، لأن صناعة القرار في القضايا الرئيسية حق حصري لـ«المرشد الأعلى»، فهناك إمكانية ضئيلة للاختيار بين سياسات مختلفة. ولكي نكون واقعيين، فإنه لا يحق للمرشحين انتقاد «المرشد الأعلى» أو طرح بدائل للسياسات الرئيسية الداخلية أو الخارجية للرئيس؛ بل والأكثر غرابة أنه لا يمكنهم انتقاد بعضهم بعضا. ولا يستطيع الناخبون حتى المقارنة بين التحليلات المختلفة للموقف، فمدة الحملة الانتخابية التي تقتصر على أسبوع واحد فقط لا تكفي لتغطية حتى القضايا الرئيسية.

ومن ثم، فهذه الانتخابات ليست انتخابات حقيقية لسببين إضافيين؛ وهما:

أولا: لا تقوم جهة محايدة بالتنظيم والإشراف على الانتخابات كما هي الحال في معظم بلدان العالم التي تجرى فيها انتخابات حقيقية. وتستطيع وزارة الداخلية إعلان أي نتيجة يطلب منها إعلانها.

ثانيا: يستطيع ما يسمى «مجلس صيانة الدستور» إلغاء فوز أي مرشح، أو حتى كل المرشحين.

تذهب بعض الشخصيات الخمينية البارزة إلى أبعد من ذلك وينكرون حق النظام في إجراء انتخابات.

يقول محمد رضا خاتمي نائب رئيس مجلس الشورى السابق: «هذه الحكومة غير قانونية، ومن ثم، فهي لا تمتلك الحق في إجراء انتخابات».

يقول نائب رئيس الوزراء الأسبق بهزاد نبوي: «لا يمكننا قبول هذه الانتخابات لأننا لا نقبل قرارات مجلس صيانة الدستور».

بادئ ذي بدء، تقدم نحو 4000 شخص ليتم اختيار المرشحين من بينهم. وقام مجلس صيانة الدستور بالمصادقة على ترشيح 67% منهم. وعلى الرغم من ذلك، فإنه قد خرج أكثر من 300 من المرشحين الذين تم اختيارهم سلفا من السباق في الأيام الأولى من الحملة الانتخابية، تاركين أكثر من 3000 شخص فقط يتنافسون على مقاعد المجلس البالغ عددها 290.

وعلى الرغم من الأسباب سالفة الذكر التي تدل على أن هذه الانتخابات لا تستحق الكثير من الاهتمام، فإنه سيكون من الخطأ صرف النظر عنها جملة وتفصيلا. فرغم القيود الواضحة، فإنه ربما تقدم انتخابات اليوم بعض المؤشرات على المزاج السياسي الراهن في البلد. أول ما ينبغي متابعته معدل إقبال الناخبين؛ إذ سيحاول النظام الإيراني من دون شك التلاعب في أعداد الناخبين ليدعي ارتفاع معدلات إقبال الناخبين على التصويت. لكن على الرغم من ذلك، فإن أي وسيلة تلاعب لن تستطيع خداع الناس الذين سيرون بأنفسهم وسيعلمون العدد الحقيقي الذي ذهب إلى الاقتراع.

كما تأتي هذه الانتخابات بوصفها أول ممارسة انتخابية في أعقاب الفشل الذريع للانتخابات الرئاسية التي أجريت في 2009 والتي قسمت المؤسسة الخمينية. فيرى بعض المحللين أن الإيرانيين لم تعد لهم رغبة في حدوث تغيير داخل النظام بالصورة التي قدمها مير حسين موسوي من قبل. ما يريده الإيرانيون الآن هو تغيير النظام، كما يؤكد هؤلاء المحللون. وربما يكون معدل الإقبال الضعيف على الانتخابات مؤشرا يدعم هذا الادعاء.

ويعتقد محللون آخرون أنه قد يكون هناك فصيل أو أكثر داخل النظام راغب وقادر على الانفصال عن هذا القالب الاستبدادي الذي يفرضه المرشد الأعلى علي خامنئي. حتى إن الإقبال الكبير نسبيا على الانتخابات، بالإضافة إلى هزيمة أكثر الخمينيين تشددا، قد يضفي بعض المصداقية على هذا التحليل. فذكرت صحيفة «كيهان» اليومية، التي تصدر رعاية وإشراف خامنئي، أن بعض استطلاعات الرأي تشير إلى أن معدل إقبال الناخبين قد يرتفع إلى 60% في المحافظات، ولكنه يبقى دون 20% في طهران.

وسوف يكون نجاح أو فشل القوائم المختلفة مؤشرا آخر على المزاج السياسي؛ على الأقل داخل الحركة الخمينية.

وإذا نحينا جانبا وجود 50 مستقلا قد تكون لهم قواعد في دوائرهم الانتخابية، فإن هناك 21 قائمة تخوض سباق الانتخابات، تلعب دور البديل للأحزاب السياسية التي تم حظرها.

قامت ثلاث من تلك القوائم التسع وأبدت ولاءها للمرشد الأعلى والتزامها بولاية الفقيه، أو التزامها بولاية الفقيه فقط، في شعارات حملاتها الانتخابية. ولم تأت القوائم الباقية على ذكر ولاية الفقيه في شعاراتها، وبدلا من ذلك، رفعت تلك القوائم شعارات مثل «العقلانية» و«الحداثة» و«الرخاء» في حملاتها.

وعلى الرغم من أنه من المفترض قيام الرئيسين السابقين هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي بمقاطعة الانتخابات، فإن قائمتين، بالإضافة إلى أكثر من 300 مرشح من أنصارهما، تخوضان تلك الانتخابات. وتم استبعاد حاشية موسوي ورئيس المجلس السابق مهد کروبي بشكل كامل من الانتخابات. وقد دعا موسوي وكروبي اللذان لا يزالان تحت الإقامة الجبرية في منزليهما، إلى مقاطعة تلك الانتخابات.

والمثير للاهتمام هو موقف فصيل الرئيس محمود أحمدي نجاد، الذي يظهر بصفته منافسا رئيسيا لفصيل خامنئي داخل المؤسسة الحاكمة.

ادعى أحمدي نجاد مرارا أنه لا يدعم أيا من المرشحين، ولكن أنصاره موجودون في قائمتين ودعوا في حملاتهم الانتخابية إلى استعادة مؤسسات الدولة وإعطاء الحكومة دورا أكبر في صياغة سياسة الدولة.

وقد توقع أحمدي نجاد أمام مؤيديه ضمنيا يوم الثلاثاء الفوز بالقول إنه يشم الربيع في انتخابات الجمعة.

على الطرف الآخر من المشهد، حذر سالار أبنوش، قائد قوات الحرس الثوري الإيراني، من أن فوز أنصار «التوجه المنحرف» يمكن أن يتسبب في أزمة عميقة وتدخل من قبل الجيش. وقد استغل مناصرو خامنئي هذا الوصف «التوجه المنحرف» لوصف الفصيل الذي يقوده أحمدي نجاد.

وسوف تكون هذه الانتخابات، نوعا ما، منافسة بين خامنئي، الذي يريد أن تظل إيران أداة للثورة الخمينية بغض النظر عن التكلفة، وأحمدي نجاد الذي يؤكد أن الوقت قد حان لكي تبدأ إيران في التصرف بوصفها دولة.