بارم ذيله!

TT

لا شيء يثير غريزتي وشهوتي للكتابة أكثر من رؤيتي للورقة البيضاء والملساء حينما أشاهدها وهي منبطحة على وجهها أمامي على مكتبي وكأنها تدعوني وتستفزني قائلة لي: أنت فينك يا (بكاش)؟! وفي رواية أخرى: أحبك يا حمار.

عندها لا أملك لا شعوريا إلا أن أمتشق مرسمتي تاركا الدنيا وما فيها وراء ظهري، واللي يصير يصير.

وهذا هو ما يحصل لي مع صفحتي المنبطحة الآن أمامي بكل إغراء وتبرج، وما إن بدأت بالخربشة على صدرها اللدن حتى قطع علي استمتاعي رنين تليفوني الثابت الذي أزعجني بإلحاحه المتواصل إلى درجة أنه لو كان بيدي الآن مسدس لأطلقت عليه خمس رصاصات كاملات وأتبعتهن بالسادسة.

فاعذروني لو توقفت قليلا للرد عليه.

وبعد خمس دقائق من الرد والكلام والتفكير، أعود لكم ولا بد أن أقول لكم ما حصل في ذلك الوقت الضائع بالفعل.

أول ما رفعت السماعة ووضعتها على طرف أذني، إذا بصوت نسائي ناعم يتناهى إليّ وكأنه قادم من السماء، قالت: السلام عليكم. فقلت لها: وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته. وبعدها ران على كلينا صمت مطبق استمر لدقيقة كاملة، فاضطررت لأن أقول: ألو، ثم أتبعتها بألو ثم ألو ثم ألو، وعندما لم أجد ردا أغلقت السماعة، وخطر على بالي أن أقطع الخط نهائيا، وقبل أن أفعل ذلك رنّ التليفون مرة أخرى، فرفعت السماعة (بحماشة حورجية) وليس في ذهني وقتها غير افتعال الخناقة، وقبل أن أتفوه بأي كلمة نابية كعادتي في مخاطبة الآخرين، أتاني الصوت النسائي الناعم نفسه وهي تعتذر، ودار بيني وبينها الحوار التالي كما أكتبه لكم الآن:

- هل هذا مكتب؟!

- نعم يا ستي مكتب.

- هل أنت متأكد؟

- والله متأكد وستين متأكد، وليس هناك أحد في المكتب غيري، وإذا أنت غير مصدقة فإنني على أتم الاستعداد أن أعطيك العنوان لتأتي وتتأكدي بنفسك، وأي خدمة أنا تحت أمرك، ولكن لماذا أنت تسألينني هذا السؤال المحير؟!

فأجابتني بارتباك واضح وهي تقول: أبدا شكرا، إنني آسفة، وكل ما في الموضوع أنني وجدت رقم هذا التليفون في جيب زوجي الذي جاء في الليلة البارحة للبيت مع أذان الفجر وكنت وقتها نائمة، وعندما أفقت في الصباح، أي قبل ساعة من الآن، لاحظت أن هناك لطعة حمراء تشبه (الروج) على ياقة ثوبه.

فقلت لها وأنا أريد أن أخفف دمي: اسمحي لي أن أقول لك إنك امرأة متخلفة، يعني ما لقيتي إلا رقم التليفون الثابت؟! وأتبعت كلامي كأي (مخرب للبيوت) قائلا لها: لماذا لا (تنبشين) يا حلوة، تليفونه الجوال وتستعرضين الأرقام وتقرئين الرسائل الواصلة إليه، وإذا لم يكن بالصوت والصورة، فعلى الأقل بالمكتوب؟!

قالت: والله إنه خطر على بالي ذلك، ولكن المشكلة أنني وجدت (موبايله) مغلقا ولا أعرف (الكود) الذي يفتحه. فأجبتها: إذن، ذنبك على جنبك. وقبل أن أنهي المكالمة سألتني عن اسمي، فقلت لها من دون تفكير: اسمي (بارم ذيله). فقهقهت قائلة: أول مرة في حياتي أسمع اسما سخيفا كهذا!

فقلت لها: هذا هو حظك، وهذا هو قدري مع أشباهك، ثم أغلقت السماعة بوجهها.

[email protected]