الوجوه الثلاثة لحماس

TT

لماذا تدعم حماس النظام السوري وبشار الأسد؟ ألم يشاهد مسؤولوها ما كان يحدث في سوريا؟ كيف يمكنهم تجاهل المذبحة الجارية في سوريا، بما في ذلك سقوط قتلى من المتظاهرين والمصلين بعد صلاة الجمعة يوم 2 مارس (آذار)؟

أولا، يروق لي أن أقول إنني التقيت خالد مشعل وإبراهيم غوشة وموسى أبو مرزوق قبل عشرين عاما. كنت رئيس اللجنة الفلسطينية في ذلك الحين، وكانت تلك اللجنة خاضعة لإشراف الرئيس. وفي الفترة التي رأس فيها هاشمي رفسنجاني إيران، بوصفي نائبا له، كنت رئيسا للجنة. زرت الأردن، وكانت تلك هي المرة الأولى التي ألتقي فيها بعضا من قادة حماس. وكان المقصد الأساسي من وراء زيارتي الأردن هو بناء جسر يربط بين إيران وحماس.

التقيت إبراهيم غوشة، الذي كان الناطق الرسمي باسم حركة حماس، ووصف لقاءه الأول بنواب صفوي في بيت المقدس. وكان نواب هو مؤسس الجماعة الإسلامية المسلحة في إيران. بيد أنه من الواضح جليا بالنسبة لي أن إبراهيم غوشة كان مؤمنا بحق بالإسلام، وركز على الإسلام بوصفه الحل المميز لأزمة فلسطين.

وللأمانة، أعتقد أن إبراهيم غوشة أكثر توافقا مع ميثاق حركة حماس من خالد مشعل أو أبو مرزوق. بالنسبة لي، يبدو أن بإمكاننا التمييز بين توجهين داخل حركة حماس: المنهج الثوري والمنهج البراغماتي. والآن، يتمثل السؤال الأكبر في كيف يمكننا تحديد هذه المناهج.. وما هي معاييرنا. أعتقد أن ميثاق حركة حماس (الصادر في 18 أغسطس/ آب، 1988) هو أفضل معيار ودليل. أود أن أشير إلى أربع مواد من هذا الميثاق:

المادة الأولى: حركة المقاومة الإسلامية: الإسلام منهجها، منه تستمد أفكارها ومفاهيمها وتصوراتها عن الكون والحياة والإنسان، وإليه تحتكم في كل تصرفاتها، ومنه تستلهم ترشيد خطاها (عدلت).

المادة الثانية: حركة المقاومة الإسلامية جناح من أجنحة الإخوان المسلمين بفلسطين. وحركة الإخوان المسلمين تنظيم عالمي، وهي كبرى الحركات الإسلامية في العصر الحديث، وتمتاز بالفهم العميق والتصور الدقيق والشمولية التامة لكل المفاهيم الإسلامية في شتى مجالات الحياة، في التصور والاعتقاد، في السياسة والاقتصاد، في التربية والاجتماع، في القضاء والحكم، في الدعوة والتعليم، في الفن والإعلام، في الغيب والشهادة وفي باقي مجالات الحياة.

المادة الثامنة: الله غايتها، والرسول قدوتها، والقرآن دستورها، والجهاد سبيلها، والموت في سبيل الله أسمى أمانيها.

المادة الحادية والثلاثون: حركة المقاومة الإسلامية حركة إنسانية.

بناء على تلك المواد، فنحن نواجه ثلاثة ردود فعل من قادة حماس: خالد مشعل وموسى أبو مرزوق وإسماعيل هنية. بدأت القصة مع الربيع العربي. من الواضح أنه في الربيع العربي لعب الإخوان المسلمون دورا مميزا جدا وتاريخيا في تونس ومصر. غير أن هناك استثناء، ألا وهو سوريا. إنني أرى أن النظام السوري أكثر تعقيدا من الدول العربية الأخرى.

ما زالت روح معاوية حية في دمشق. وعلى الرغم من أن شعرة معاوية أقصر الآن، فإن حيرته وأسلوبه في الحكم لا يزالان حيين. أكثر من أي أحد آخر، كان القادة السوريون يلعبون بالبطاقة الفلسطينية في عملهم السياسي. وهم يصفون الحكومة السورية بأنها مركز المقاومة في مواجهة إسرائيل والغرب. على الجانب الآخر، النظام السوري متورط في عمليات اعتقال وقتل فلسطينيين. من يمكن أن ينسى اغتيال الصحافي الفلسطيني، خليل محمد خليل الزين، يوم 3 مارس 2004؟ كان مقربا جدا من ياسر عرفات، وكان يركز على السجناء الفلسطينيين في سوريا. ونشر مقالا عن وفاة عبد المجيد ذقموط، الذي أمضى 32 عاما وراء القضبان في سوريا حتى وفاته.

أود أن أقول إن قادة حماس والفلسطينيين الآخرين على دراية بما فعلته سوريا. دعوني أروِ لكم تجربة مررت بها.. كنت في الهند لحضور جنازة راجيف غاندي، حينما التقيت بياسر عرفات، وأقمنا في فندق قصر تاج محل. سألني عرفات عن رأيي فيه!.. كان هذا سؤالا عويصا إلى حد ما بالنسبة لي. وبالرجوع إلى تلك الأيام، نجد أن عرفات كان يدعم صدام.. فأجبته، كأخ أصغر في رأيي، أنه أذكى تلميذ للشيطان!.. ضحك عرفات ضحكة مجلجلة، وخاطبني قائلا «أتريدني أن أعرفك على معلم الشيطان؟ إنه حافظ الأسد، صديقك».

دعوني أختصر القصة، الفلسطينيون والشعب اللبناني يعرفون سوريا حق المعرفة. وفي أيامنا هذه، يقتل النظام السوري شعبه. فلماذا تتجاهل حماس تلك الأحداث الوحشية في سوريا؟

سألت مشعل «من هو صاحب الكلمة الأخيرة في حماس؟».. فأجاب قائلا «إن صاحب الكلمة الأخيرة هو المؤسسة، والقرار لدينا يتخذ بطريقة معقدة تبعا للظروف المعقدة التي نعيشها وتعيشها قضيتنا».

كان ذلك هو رد فعل مشعل السريع. لكن يمكننا أن نتبين أن حماس قد اتخذت ثلاثة مواقف مختلفة إزاء سوريا. ألقى إسماعيل هنية خطابا في جامع الأزهر بالقاهرة، أعرب فيه بشكل صريح عن دعمه لمقاومة السوريين ضد نظام بشار. كان إسماعيل هنية، بوصفه القائد الأعلى لحركة حماس ورئيس وزراء غزة، هو من عبر عن دعمه للمتظاهرين السوريين الذين يناضلون من أجل الإطاحة بالرئيس بشار الأسد. كانت تلك هي المرة الأولى التي ينتقد فيها قائد رفيع بالجماعة الفلسطينية حليفه منذ وقت طويل. وفي هذا الخطاب في جامع الأزهر بمصر، قال هنية إن حماس أثنت على «الشعب السوري الشجاع الذي يتجه نحو الديمقراطية والإصلاح».

وبعد خطاب هنية، دعم موسى أبو مرزوق المقاومة السورية أيضا. لكنه نشر تصريحا على الموقع الإلكتروني الخاص بحركة حماس كشف فيه عن أنه عدل عن رأيه. باستخدام لغة سياسية، حيث قال «نحن لا نتدخل في الشأن الداخلي لأي من الدول العربية، ونحاول أن نجنب الفلسطينيين التدخل في أي شأن عربي حفاظا على حيادهم وعلى أمنهم».

كان خالد مشعل هادئا إلى حد كبير. أعتقد أن هناك صداما كبيرا داخل حركة حماس.. وهو صدام بين الميثاق والمنافع، بين حماس في غزة وحماس في دمشق والدوحة والقاهرة.

كان أول شخص شرح جذور التناقضات بين المنهجين في حركة حماس هو إبراهيم غوشة، الذي كتب عن هذا الموضوع في كتابه «المئذنة الحمراء».

بعد استشهاد الرموز الشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي ومن قبلهما إبراهيم المقادمة وصلاح شحادة، وغيرهم، تراجع الخط المبدئي المقاوم وتراجع الأمل في تحرير القدس لمصلحة الخط «البراغماتي»، فكان دخول الانتخابات تحت سقف «أوسلو».

أعتقد أن هذه هي المرة الثانية التي يواجه فيها هذا الأسلوب البراغماتي موقفا غاية في الصعوبة. وبناء على ميثاق حماس والقيم الإسلامية وحقوق الإنسان، يتعين على حماس دعم الشعب السوري. إضافة إلى ذلك، فإن الإخوان المسلمين يلعبون دورا مهما في سوريا. كيف يمكن أن تنسى حماس ميثاقها؟