شاطر ومشطور وبينهما طازج

TT

في الليلة البارحة كاد أحدهم يضيفني إلى زمرة الأبالسة.. (لولا الله).

وكل من يعرفني يعرف أنني إنسان مسالم إلى درجة الاستسلام، هذا من الناحية الشكلية أو (الذوقية)، لكنني بعكس ذلك تماما من الناحية الفكرية أو المنطقية أو الحياتية عموما.

وقد ابتلاني ربي سبحانه بذلك الإنسان الذي (نشب بحلقي)، وأخذ يعدد لي سقطاتي في كتاباتي هذه التي أكتبها لكم، رغم قناعاتي بحججه التي أعترف بها أنا شخصيا، وما أكثر ما اعترفت بها على الملأ من دون أي خجل أو اعتذار.

لكنه في ذلك المجلس أخذ (يقرعني) على أنني أستخدم في كلماتي التي كتبتها كلمات أعجمية، على حد قوله. فمثلا هو قال: «ما هو عيب عليك تكتب: تلفزيون بدلا من الرائي، أو راديو بدلا من المذياع، أو أسانسير بدلا من المصعد، أو التاكسي بدلا من الأجرة؟»، أو أو أو أو، وأخذ يعدد لي أسماء كثيرة، ثم ختم معلقته تلك بتساؤل أحرجني وجعل رقبتي تبدو أمام الحضور (كحبة السمسمة)، ولم أستطع وقتها لجهلي أن أرد عليه، وخرجت أجر أذيال الخيبة.

وبحكم أنني لا أنام على قهر، فما إن انبلج نور الصباح حتى بدأ ذهني يتفتق عما كنت أظنه قد اندثر، واكتشفت أن لغات العالم عن بكرة أبيها منذ أقدم العصور كلها كانت تتلاقح مع بعضها بعضا، وسوف يستمر ذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

وفي لهجاتنا نحن في الجزيرة العربية هناك (الحبرة) وهي غير عربية بمعنى غطاء الرأس، و(البخنق)، و(الدقّة) و(المدريهة)، و(المركّب)، و(القوطي)، و(التتن)، و(السرسرى)، و(الشنطة)، و(الدهليز)، و(البهار)، و(البشت)، و(الغرشة)، و(الطاسة)، و(التليك)، هذا ما يخص فقط الكلمات في الجزيرة العربية، أما في البلاد العربية الأخرى فحدث ولا حرج.

بل إن القرآن الكريم الذي نزل على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بلسان عربي، استطاع أن يهضم تلك المسميات الأعجمية التي تعارف عليها العرب قديما ويحولها إلى عربية صرفة، منها على سبيل المثال وعلى قدر اجتهادي هناك كلمات من لغات الأحباش وردت في القرآن الكريم منها: الطاغوت، أواه، طوى، شطر، قسورة، العرم.

ومن لغة فارس: سندس، إستبرق، كافور، مرجان، سرادق، سلسبيل.

ومن لغة الروم: قنطار، قسطاس، رقيم.

ومن لغة السريان: اليم، هيت لك، الأسفار، سريا.

ومن العبرية: عليون، سجين، مرقوم، أرائك، تسنيم.

أتوقف عند ذلك رغم أن هناك الكثير الذي لم يقل، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الله، سبحانه وتعالى، أولا، حافظ (قرآنه) - هذا أهم شيء - ثم إنه لا حرج أن (تتلاقح) اللغات في كل أنحاء العالم أينما كانت، بما فيها اللغة العربية.

هل تعلمون أن قواميس اللغة في بريطانيا وفرنسا مثلا تتغير كل سنة، وأن هناك عشرات إن لم يكن مئات الكلمات التي تستجد عليها دونما أي خوف أو حرج؟!

تخيلوا لو أن واحدا منكم ذهب إلى البائع وقال له مثلما ينصح (مجمع اللغة العربية) يريد أن يطلب (ساندويتش): «أعطني يا رعاك الله (شاطرا ومشطورا وبينهما طازج)»؟!

[email protected]