العراق يهرب من مشاكله بالتركيز على «ميناء مبارك» في الكويت!

TT

في الثاني عشر من شهر يناير (كانون الثاني) 2011 قام الشيخ ناصر المحمد الأحمد الصباح رئيس الوزراء الكويتي آنذاك بزيارة رسمية إلى العراق وصفت بالتاريخية، لأنها كانت الأولى لرئيس وزراء كويتي بعد تحرير الكويت من الاحتلال العراقي (1990 – 1991)، والأسبوع المقبل سيبدأ نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي زيارة رسمية إلى الكويت، كانت تأجلت عدة مرات، وقالت الصحف إنها لدرس الملفات العالقة وعلى رأسها «ميناء مبارك الكبير».

لكن العارفين ببواطن الأمور يقولون: إن ميناء مبارك «زوبعة في فنجان»، ولا يشكل هما، إلا للذين يعتقدون فعلا بأنه هم. فميناء مبارك هو ميناء محوري، أساسي وتكاملي لاقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي، والكويت والعراق. ففائدته ستطال العراق أيضا، وإنما أصرت بعض الأصوات العراقية على الإعلان عن أن ميناء مبارك بني فقط لتدمير الاقتصاد العراقي.

في الواقع زار وفدان من العراق الكويت للاطلاع والدراسة. الوفد الأول وصل عام 2007، ثم رجع إلى العراق حاملا معه ثلاث قناعات: أن ميناء مبارك لا يشكل أي قلق أمني للعراق، ولا يعرقل حرية الملاحة من وإلى العراق، وأن أفضل رد من جانب العراق على ميناء مبارك أن يستأنف ويستكمل إنشاء ميناء الفاو.

ثم عام 2011، زار الكويت وفد عراقي برئاسة مستشار لنوري المالكي، وتحرك بكل حرية وانفتاح، زار واستكشف ميناء مبارك، وأخذ القياسات، وخرج بالنتيجة نفسها التي توصل إليها الفريق العراقي الذي زار الكويت للهدف نفسه عام 2007.

هذا يعني أن المسألة سياسية محض، وليست اقتصادية أو فنية، إذ كلما وقعت قلاقل داخلية في العراق، فالهرب إلى الأمام يكون بالهجوم على ميناء مبارك. بعض الكويتيين يشككون أيضا بالدور الإيراني، ولوحظ أنه عندما تم اعتقال ستة جواسيس إيرانيين في الكويت حرك العراق مسألة ميناء مبارك.

يؤكد الجانب الكويتي باستمرار أن الكويت لا تكن إلا كل الخير للعراق، وقد أثبتت ذلك بالفعل وليس بمجرد كلام، ويقول مسؤول كويتي بارز: «لا توجد ملفات عالقة بيننا وبين العراق».

بالنسبة إلى الكويت، كل القضايا أمرها محسوم، لا بل توجد «خارطة طريق» أملتها اللجان المشتركة، تغطي كل الأمور، فيما يخص مسألة الديون، والخلافات التجارية، وصيانة العلامات الحدودية، والخطوط الجوية العراقية، وميناء مبارك. يقول المسؤول الكويتي: «لكل هذه الأمور توجد خارطة طريق، وإنما حتى الآن يرفض العراق مناقشتها».

هل يشمل الرفض رسم الحدود؟ من الجواب يتبين أن مسألة الحدود منتهية منذ عام 1994، ثم لا طرف، كويتيا أو عراقيا، يناقش هذه المسألة. المشكلة المعلقة هي ما يسمى بصيانة «العواميد» من عوامل التعرية البيئية. وهذه الصيانة وردت في القرار الدولي 833 تحت الفصل السابع، بأن تشترك الدولتان في توفير المادة لصيانتها تحت إشراف الأمم المتحدة، وعندما تأخر العراق، حلت الكويت محله بدفع الحصتين.

يقول المسؤول الكويتي: لا الكويت ولا العراق يقدران على التنصل من هذه المسألة. إنها محسومة.

تبقى مسألة ميناء مبارك الكبير، وكل الإشارات تؤكد أنها مسألة سياسية للعرقلة فقط، إذ جاء وفد فني من العراق مكون من كل التوجهات الفنية العراقية: الداخلية، والموانئ، والملاحة، أي كل القطاعات المسؤولة عن خط سير الملاحة من وإلى العراق، ووضع تقريره، وتأكد أن السفن العراقية قادرة على العبور، خصوصا أن الكويت ملزمة وفق قرار 833 بانسيابية خطوط السير الملاحية، أي أن الكويت «لو أرادت العرقلة فلا تستطيع».

ما لاحظته الكويت، وتريد أجوبة عنه خلال زيارة المالكي هو: لماذا نزع المالكي ملف الحدود بين العراق والكويت من وزارة الخارجية العراقية وضمه إلى ملفات مكتبه؟ ثم لماذا ألغى بروتوكول التفاهم البحري بين خفري السواحل العراقي – الكويتي المتعلق بمكافحة التهريب، وإجراء المناورات المشتركة؟ إضافة إلى مسألة أثارت قلق الكويتيين، إذ كان هوشيار زيباري وزير الخارجية العراقي قد بعث برسالة إلى مجلس الأمن جاء فيها: إن العراق موافق على صيانة العلامات الحدودية، لكنه ينتظر وفدا يأتي من الأمم المتحدة إلى العراق.

بعد ذلك بأسبوع، أرسل المالكي رسالة يلغي فيها رسالة وزير خارجيته ويقول: إن هذا الأمر مؤجل إلى أجل غير مسمى، «وسنبلغكم لاحقا بالتوقيت». وكأن هناك ترابطا في التعقيدات بين ميناء مبارك الكبير والجرف القاري، الذي هو على الحدود البحرية مع إيران وفيه خطان شمالي وجنوبي.

والمعروف أن الجرف القاري منطقة غنية بالغاز، قدمت الكويت عدة اقتراحات للطرف الإيراني من أجل بدء المفاوضات. وكان الرفض سمة الرد الإيراني الدائم.

الكويت شكلت لجنة واحدة فقط كي تكون مسؤولة عن هذه المسألة، أما الجانب الإيراني فقد رغب بتنوع اللجان، مرة خارجية، مرة نفط.. إلخ.

ما يهم الكويت أن تخط الحدود المائية مع إيران كي تبدأ العمل، فهذه المسألة معلقة منذ 35 عاما، لكنها لا ترى بالمقابل أي جدية من إيران لإحياء هذا المشروع. ومع ذلك، تصر الكويت على أن تثير موضوع الجرف القاري في أي جلسة أو نقاش مع إيران، ولا يبدر أي تجاوب إيراني.

الكويت ليست قلقة من إيران، هي ترى أن إيران ترغب في أن تكون علاقتها مع الكويت جيدة، وهناك خطر إذا تدهورت علاقتها مع الكويت، لأن للكويت مصداقية على الصعيد الدولي. فإذا أعطت الكويت رسائل إيجابية بالنسبة إلى إيران فإن العالم يصغي. والكويت في كل علاقاتها مع الدول تحترم الآخر، وتقوم على أسس قانون دولي.

إلى جانب الجرف القاري هناك مفاعل بوشهر الذي يقلق الكويت، ليس على الصعيد العسكري، إنما طبيعته المدنية وحدها، لأنه إذا كان لا يخضع لمراقبة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ويأتي المراقبون والمفتشون ويقيمون وضع بوشهر بحرية، فالقلق الكويتي قائم. لدى كل كويتي هاجس أوكرانيا واليابان. القلق أن بوشهر منشأة نووية تقع على بعد مائة كيلومتر من الشواطئ الكويتية، وغير خاضعة لأي رقابة دولية، في حين أن الخليج العربي بحيرة، وانسياب المياه، وتغيير المياه يحتاج إلى نصف قرن، ومن السهل تلويثه وإبادة الثروة السمكية.

قد تكون العرقلة الإيرانية مرتبطة بقضية الجواسيس الإيرانيين في الكويت؟ يجيب المسؤول الكويتي: «القضية وصلت إلى القضاء. قضاؤنا مستقل، نزيه وعادل ولا يسمح للشك من أي طرف كان. وفي الأساس من غير المقبول التعليق على حكم القضاء أو مناقشته».

يؤكد المسؤول أن الكويت تتحمل مسؤولية الحكم الذي سيصدر. لا تخاف من أي تهديدات خارجية، «إنه حكم قضائي. القصة ليست بيد السلطة التنفيذية أو السلطة التشريعية، إنها بيد سلطة لها خاصيتها».

إنه قدر الكويت في موقعها الجغرافي وثروتها وفي تطلعات شعبها. تريد الانطلاق لبناء المستقبل، لكن يبقى أن بحر الاعتداءات الماضية لم ينشف بعد. يضاف إلى ذلك أن طموحات و(غيرة) الأطراف في أرضها وثروتها لا تتوقف. وقد يثير تكوين مجلس الأمة الأخير شهية آخرين جدد للتدخل، أو إضافة أعباء جديدة على دولة الكويت.