التحالف الكردي الشيعي في مهب الريح

TT

قضية نائب رئيس الجمهورية العراقي، الهاشمي، المتهم بالإرهاب واللاجئ في إقليم كردستان شبه المستقلة منذ أكثر من شهرين تأخذ أبعادا خطيرة بعد أن طالبت وزارة الداخلية، التي يديرها المالكي «وكالة»، السلطات الكردية في إقليم كردستان بتسليمه إلى بغداد «فورا» لمحاكمته على التهم الموجهة إليه والموزعة بين الاغتيالات والتفخيخات وإدارة الصراعات الطائفية. جمعت الحكومة لحد الآن 150 تهمة من هذا النوع، وكل تهمة من شأنها أن تبعده نهائيا عن الساحة السياسية.. ذكرتني قضية الهاشمي بقضية أخرى وشخصية أخرى، كان لها دور بارز في الحياة السياسية والاقتصادية لبلادها وهي السياسي الماليزي «أنور إبراهيم»، وزير المالية في حكومة «مهاتير محمد». استطاع الزعيمان أن يحدثا ثورة علمية وثقافية كبيرة في بلادهما، وكان متوقعا أن يخلف «أنور» «مهاتير» في قيادة التحالف الوطني الحاكم، لولا الخلاف الذي وقع بين الرجلين في عام 1998، والنتيجة أن «أنور» أقيل من جميع مناصبه السياسية، واتهم أو دبرت له تهم «غير أخلاقية»، لا فرق، ودخل السجن، ورغم معاودته للعمل السياسي بعد خروجه من السجن، لكنه أصبح كرتا محروقا ولم يعد ينفع السياسة.. وهو ما حدث للهاشمي بالضبط، رغم أن «أنور إبراهيم» واجه القضاء بشجاعة ودافع عن نفسه بكل ضراوة، ومن ثم سجن لعدة سنوات وخرج ومارس السياسة مرة أخرى، بعكس الهاشمي اللاجئ في الإقليم دون أن يواجه الموقف ويظهر للرأي العام العراقي والعالمي زيف التهم والقضاء المسيس كما يقول.

ولكن كيف تدهورت العلاقة بين الحكومة، أو بالأحرى رئيس الوزراء «المالكي»، ونائب رئيس الجمهورية «الهاشمي» إلى هذا الحد الخطير الذي استحالت فيه أي تسوية سياسية..؟ هل هي حلقة من حلقات مسلسل الصراع الطائفي الجاري في العراق؟ أم هو صراع على السلطة وتوزيع المناصب الحساسة في الدولة، وخاصة الوزارات الأمنية الثلاث بعد أن رشح بعض القادة في القائمة العراقية السنية «الهاشمي» لتولي حقيبة وزارة الدفاع المحسومة بحسب اتفاقيات أربيل لشخصية سنية عربية؟ أم أنها فعلا تهم جنائية حقيقية تورط الهاشمي في ارتكابها، وعلى «المالكي» الذي يمثل رأس السلطة التنفيذية أن ينفذ أوامر المحاكم المختصة ويسلمه إلى القضاء؟

قد تكون هذه العوامل بمجموعها أدت إلى تعميق الأزمة الحالية ووضع البلاد في عنق الزجاجة، وهذه نتيجة حتمية بحسب بعض المحللين السياسيين للواقع السياسي القائم على المحاصصة الطائفية والعرقية، ولا يمكن تجاوز هذه الأزمات المتراكمة ما لم تتخلص الدولة من هذه السياسة الخاطئة التي تؤدي إلى التناحر والتنازع الدائم.. ولكن إذا كانت الأزمة القائمة نتيجة صراع طائفي بين السنة والشيعة، أو اختلاف على وزارة أمنية بينهما، فلماذا تورط الأكراد في هذا الصراع الذي يبدو أنه لا ناقة لهم فيه ولا جمل؟ ولم يكن لهم يد في أحداث الأزمة من أساسها، ولكن لماذا سمحوا للقضية أن تتطور بالشكل الذي هي عليه الآن؟ هل هم أرادوا ذلك عن سابق قصد، للانتقام من دولة القانون ومن شخص «المالكي» نفسه الذي لم يلتزم بوعوده لهم بتطبيق بنود الدستور؟ وخاصة المادة 140 الدستورية التي تقضي بإرجاع المناطق المتنازع عليها لكردستان وحل مسألة النفط والغاز، أم أنهم التزموا بجملة من القضايا الأخلاقية تتعلق بقوانين الإقليم والتقيد بالعادات والتقاليد الكردية المتوارثة التي تمنع تسليم المستجير مهما كانت العواقب والتضحيات..؟

مهما يكن، فإن دخول الأكراد على الخط الساخن بين الطرفين جعلهم طرفا أساسيا في الأزمة، سواء أرادوا ذلك أم لم يريدوا. وما دامت الأمور وصلت إلى حد أن يهدد «المالكي» القادة الأكراد بالبحث عن تحالفات استراتيجية مع قوائم أخرى في حالة عدم تسليم الهاشمي إلى بغداد، فإن على الأكراد أيضا البحث عن شركاء سياسيين آخرين جديرين بعقد شراكة استراتيجية حقيقية معهم، تقوم على أساس الصدق والشفافية والالتزام بالتعهدات والوعود، وليس على أساس المراوغة والخداع و«الضحك على الذقون».