ألهذا الحد وصلنا؟

TT

الجوع والمجاعات شائعة في العالم الإسلامي. قبل نحو شهر فقط أعلن عن انتهاء المجاعة في الصومال. انتهت أو تأجلت؟ يذكر المؤرخون أن هذه المجاعات كثيرا ما أسفرت عن فظائع يقشعر من ذكرها الشبعان. من ذلك ما رواه ابن الجوزي عن مجاعة عام 343 هـ حين اضطر العراقيون إلى أكل الجيف وذبح أطفالهم. وهو أهون بكثير مما يجري اليوم. ففي هذه الأيام يقتلون الأطفال بالتفجيرات دون سبب. وفي عام 462هـ اشتد الجوع والوباء في مصر حتى أكل الناس بعضهم بعضا. وقيل إنه عندما نزل وزير صاحب مصر من بغلته هجم الناس عليها وأكلوها. لا أدري لماذا لم يأكلوا الوزير قبلها. ويذكر فليب حتي وفرانسيس غابريلي أن المنطقة العربية سجلت زيادة مفاجئة في السكان بعد انتشار الإسلام. ويظهر أن مصادر الطعام عجزت عن سد حاجات هذه الزيادة. وهذه نقطة جديرة بملاحظة الإخوان في مصر. انجدوا مصر قبل أن يأكل المتظاهرون بعضهم البعض في ساحة التحرير.

من نتائج الجوع والفقر أن الكثير من العوائل، ولا سيما من الأقليات، كانت تضطر لبيع أولادها. وكان هذا شائعا في سوريا والعراق مثلا. لم يذكروا لنا ذلك قط في كتب التاريخ عن الحضارة العربية. وأتذكر أنه كانت لنا في أسرتنا القشطينية طفلتان يتيمتان اشتراهما أحد أعمامي من اسرتهما. كان رحمه الله مدير شرطة في الشمال، وربما استلمهما في صفقة رشوة.

سمعنا وقرأنا ورأينا كل ذلك. فقد استمرت ظاهرة بيع الأطفال. وهي خطوة تدل على تقدمنا في سلم المدنية. ففي السابق كان الفقراء يأكلون أطفالهم في عام القحط، بينما اليوم يبيعونهم في السوق الحرة. بيد أن الجديد اللافت للنظر أنهم في العراق الذي يتدفق فيه نهران بالماء الزلال وثلاثة أنهر بالنفط الخفيف ومائة نهر تفيض بالمليونات المسروقة، أخذوا يبيعون حتى الرجال البالغين في السن. تضحك يا سيدي القارئ وتحسب ذلك قفشة مني؟ كلا بل اصبر وانتظر.

السيدة الأرملة أم حسين قتل أربعة من أولادها. الخامس الوحيد الباقي زجوا به في السجن. حصلت على قرار من المحكمة بإطلاق سراحه. بيد أن مأمور السجن طالبها لإطلاق سراحه بمبلغ لا قبل لها على دفعه. قالت لم يبق لي غير أن أبيع نفسي لأسدد المبلغ. لم أسمع بعد عن صفقة بيعها.

وكذلك الأمر مع السيد ستار عبد الله سلمان، من سكنة مدينة بغداد، بلد الرشيد. لم يجد سبيلا للعيش غير أن يبيع نفسه بالمزاد العلني. عبر «فيس بوك». وهذا تقدم آخر في سلم المدنية واستعمال التكنولوجيا. قرأت عرضه على الإنترنت وقال فيه: «إن المواصفات سيعرفها من يرغب في الشراء بصورة جدية».

فكرت في الواقع بشراء هذا الرجل والاحتفاظ به حتى تتغير أحوال العراق فترتفع قيمته فأبيعه بسعر أعلى. ولكنني لاحظت في شروط البيع أن السيد ستار يشترط ألا يكون المشتري مواطنا عربيا. وهذا طبعا يستبعدني من عملية المزاد. فرحت أتساءل. ألهذا الحد وصلت الثقة بنا كعرب؟