عرس بلا نساء

TT

مشكلة الذين في عمرنا أنهم يحنون دائما إلى التذكر. وإلى المقارنة. ومشكلة المشكلة أنهم يخرجون غالبا بنتائج واحدة، وهي أن الماضي أفضل، وأكثر وعدا، وأقل يأسا، وأكثر تقدما. ولا أعرف كيف ينظر الشباب إلى مثل هذه الظاهرة، خصوصا أنهم لم يعرفوا المراحل التي نتحدث عنها، فكيف لهم أن يوافقوا أو أن يعترضوا. ولكن الأدب المقارن لا يقوم على أن يكون الشاهد واحدا في كل الأجيال، بل لا بد له من الأخذ بأقوال الشهود الآخرين، مبقيا لنفسه الحق الأهم، حق استخلاص وإصدار الأحكام.

أكتب ذلك بعد انتخابات الكويت. أما أنا فعندما عرفت الكويت كانت الكتلة البرلمانية الأبرز، هي كتلة القوميين العرب. ولم تكن المرأة قد وصلت إلى البرلمان، لكن سعاد الحميضي كانت أهم سيدة أعمال في الشرق الأوسط، وكانت فاطمة حسين أبرز كاتبات الخليج، وكانت غنيمة المرزوق، صاحبة مجلة «اليقظة»، وكانت باسمة سليمان وأمل جعفر تقدمان الأخبار السياسية في التلفزيون، وماما أنيسة تقدم حكايات الأطفال. وكانت الصحف (جميعها) تمثل خطا محافظا ومتحررا معا. أي خطا تقدميا وليس بالضروري علمانيا. وكان عبد العزيز حسين، ذلك الوجه الحضاري المتقدم، يصر على الثوب الإفرنجي رغم مناصبه المتوالية. وكذلك عدد من السفراء. وهذا لا يعني أن الثوب العربي غير حضاري وغير متقدم، لكن الإشارة هنا إلى مدى الحرية الاجتماعية المحافظة التي كانت جزءا عفويا من المجتمع.

وكانت في الكويت قبائل، لكن لم تكن هناك قبليات. وكان هناك متدينون كثيرون ومتطرفون قلائل يتحاشون الظهور. وكان في الكويت بدايات دولة مدنية حديثة، يجمع عليها الناس ويفرحون بها. ولكن ظاهرة الانتخابات الكويتية هي في الحقيقة ظاهرة الانتخابات في كل مكان. اختفى اليسار العربي بكل تقاسيمه وحلت محله القوى المتشددة، بكل إيقاعاتها. اختفى الليبراليون والقوميون العرب والمستقلون، من الكويت إلى المغرب، مرورا طبعا بمصر.

ولا بد أن تكون وراء هذه الظاهرة أسباب كثيرة، عدا إخفاق اليسار العربي وانزلاقه إلى العنف والعبث. ونحن لم نجرب القوى الطالعة بعد. لكن بصرف النظر عن كل شيء، فلا يمكن أن نسمي التطور الذي حدث في الكويت عرسا للديمقراطية، لسبب فائق البساطة عبرت عنه الزميلة أمل عبد العزيز الهزاني وهي تتأمل برلمانا كويتيا بلا نساء، إذ قالت «لا أعرف في الحقيقة عرسا بلا نساء».