هذه الجولة كسبها الأسد!

TT

لا يسرني أن أعترف، لكن الحقيقة هي أن النظام السوري صد كل التحركات العربية والدولية ضده، وقلب الطاولة على خصومه خلال ثلاثة أشهر، إلى أن تراجعت مطالب الأطراف المختلفة وتقزمت إلى مجرد وساطة مصالحة، على أمل أن يقبلها الرئيس بشار الأسد. نجح في تقسيم المواقف الدولية، نفس السيناريو الذي مارسه عقب اغتياله رفيق الحريري، رئيس وزراء لبنان الراحل، في عام 2005. كما نجح في النفخ في مخاوف الدول الأجنبية، بما فيها أشد الدول خصومة له مثل أوروبا والولايات المتحدة، محذرا بأنهم إن أسقطوه فسيخلفه أيمن الظواهري، وسيفتحون الطريق للجماعات المتطرفة لحكم بلد متعدد الطوائف.

أمس، كانت الهزيمة علنية. فقد أصيبت الجهود العربية بنكسة واضحة بدليل أن دولا صريحة في مساندتها الشعب السوري رضخت لدعوة الحل التصالحي. فرئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم ووزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، صقرا المواجهة الدبلوماسية ضد دمشق، قبلا بقرار إحالة حل الجامعة العربية إلى مجلس الأمن، رغم الثقوب التي وضعتها الجامعة العربية لإنقاذ النظام، مثل التفاوض لتحقيق المصالحة! طبعا سيستدل البعض بلغة البيان العربي أمس التي جرمت ما حدث في حي بابا عمرو في مدينة حمص على أيدي أجهزة الأمن السورية واعتبرتها جرائم حرب، لكن هذا يبقى بيانا أخلاقيا.

إذا كان عرش الأسد يهتز تحته قبل ستة أشهر، وكان المجتمع الدولي مستعدا لصياغة قرار تدخل، ونهاية النظام، فإنه اليوم في وضع أقوى على الساحتين العربية والدولية. الهزيمة سببها فشل توحيد جبهة المعارضات السورية، وتغيير حكومة دمشق استراتيجية دبلوماسيتها بانتقالها إلى أسلوب الهجوم.

على أية حال، هذه جولة من جولات، ولا أدري كيف سيستطيع الأسد النجاة من مستنقع الدم الذي أغرق فيه البلاد. وانتصاره الدبلوماسي في الساحة الدولية لا يعكس حقيقة هزائمه في الساحة الداخلية. كل ما فعله زاد الكراهية لنظامه لدى الشعب السوري، خاصة أنه في الوقت الذي شن حملته الخارجية دبلوماسيا، وحملته العسكرية داخليا، لم يقدم طرحا إصلاحيا يمكن أن يستميل به السوريين. كل ما فعله أن فرض على الجيش حرب مدن لم تعرف مثلها أي دولة في المنطقة، بمثل هذا الكم من النار ولفترة طويلة. والآن، ينقل مئات من دباباته، وأسلحته الثقيلة، وآلافا من جنوده، إلى إدلب، المحافظة المحاذية للواء الإسكندرون وتركيا، بعد أن دمر حمص وعاث في ريف دمشق ولا يزال يقاتل في درعا. إنما، حمص لا تزال رافضة، وحي بابا عمرو بأطلاله شاهد على الجريمة التاريخية.

[email protected]