وسطاء إطالة النزاع

TT

سلمت القضية السورية الآن إلى رجلين يمثلان منظمة دولية مكربلة ومؤسسة إقليمية مسربلة؛ الأمم المتحدة والجامعة العربية. وسوريا، التي يفترض أن يخاطبها كوفي أنان وما خلفه من خبرة دولية؛ دبلوماسية وعسكرية، لها موقف متشابه من المؤسستين.. تعتبر أنها هزمت الأولى بالفيتو الروسي - الصيني، والثانية أهانتها عندما علقت عضويتها وعروبتها.

الجزء الثاني من الصورة أن المعارضة، على ضعفها وخسائرها، ترفض الحوار مع النظام. فالوساطة إذن بين مَن ومَن؟ وإذا كان المبعوث الدولي مجردا من السلاح الدولي ولا يحمل - مع زميله - سوى قرار الجامعة العربية، فمعروف ماذا كان رد دمشق على قرارات ومبادرات ومحاولات الجامعة. الوساطات، على أنواعها، طريقة أخرى لإطالة النزاعات.

يعرف كوفي أنان ذلك منذ أيامه في الأمانة العامة، حين كانت طائرتها الخاصة تحمله إلى بغداد وتعيده منها غانما مؤتمرا صحافيا لمرافقيه من المراسلين.. لا أكثر.

قبل أن يبدأ أنان مهمته، بدا الموقف الأميركي متراجعا، فيما جاء لافروف إلى القاهرة ليقرأ، أو يعيد قراءة الفرمان الروسي بالتفصيل. وقد حضر من أجل سببين: الأول تأكيد تأييد سوريا، والثاني عدم القطع مع سائر الدول العربية بسبب ذلك، وخرج تاركا بضعة تمنيات مشتركة مع أهل الجامعة.

تزداد الصورة الدموية هولا ودما، وتزداد الصورة الدبلوماسية شحوبا.. وكلما ازدادت ضعفا، انصرف النظام إلى تصعيد قسوة القمع. ولم يتردد أمين حزب البعث في لبنان، فايز شكر، في اختصار الموقف بأقصى سخرية عندما قال في مظاهرة بيروت: «باي باي بابا عمرو!».

ساعتها كان الهلال الأحمر والصليب الأحمر ومندوبة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ممنوعين من إدخال الأدوية إلى المكان. ولما عادت المندوبة الدولية وعاينت بعض الحي لم تستطع أن تعبر عن هول ما رأت.

لم تعد المسألة الملحة سوريا؛ بل السوريون.. الآلاف منهم؛ أطفالا ونساء وأمهات وجرحى وجائعين وهاربين وأيتاما.. هؤلاء ليسوا «الجماعات المسلحة» التي يتحدث عنها الرفيق لافروف.. هؤلاء يشكلون كارثة بشرية. وإذا كانت روسيا أكثر القادرين الآن على القيام بدور فاعل في الأزمة، فإن الأخلاق تقتضي أن يتجاوز هذا الدور البيانات العامة، المدونة بدقة، خوف الخطأ.

لم تكن لروسيا أهمية في المنطقة كما هي الآن منذ ربع قرن على الأقل، فكيف ستستعيد دورها ووجودها؟ بأن تكون طرفا في مسألة داخلية وإقليمية أم بأن تكون جسرا إلى الحل، وشعارها التاريخي «دولة محبة للسلام»؟