إيران وإسرائيل في «سفر إستر»

TT

قام الرئيس باراك أوباما، يوم الاثنين 5 مارس (آذار)، بإهداء بنيامين نتنياهو نسخة من «سفر إستر» بمناسبة عيد «البوريم» اليهودي، الذي وافق الاحتفال به يومي الخميس 8 مارس والجمعة 9 مارس.

واغتنم نتنياهو الفرصة لإيجاد وجه شبه بين الروايات التي وردت في «سفر إستر» (التي تحكي محاولة هامان القضاء على الشعب اليهودي في جميع أنحاء الإمبراطورية الفارسية) والصراع الدائر بين إسرائيل وإيران هذه الأيام.

«لقد دعا قادة إيران - بمن فيهم الرئيس محمود أحمدي نجاد - مرارا وتكرارا إلى تدمير الدولة اليهودية، مشيرين إلى إسرائيل على أنها قنبلة موقوتة».

ولا أعتقد أن أوباما أو نتنياهو كان لديهما ما يكفي من الوقت لقراءة ذلك السفر بأكمله والتأمل فيه، ناهيك عن فهمه واستيعابه؛ فقراءة هذا السفر ليست بالأمر السهل؛ فهو ليس كتابا تاريخيا يستند إلى وقائع وأدلة، بل هو كتاب قصصي قائم على الخيال، على الرغم من أن «سفر إستر» هو أحد أسفار الكتابات التي تعتبر الجزء الثالث من كتب التناخ (وهو الكتاب المقدس اليهودي).

وبعبارة أخرى، فمن الواضح أن إستر، زوجة الملك وملكة فارس، هي شخصية خيالية، كما أنه لا يوجد في تاريخ إيران الطويل شخص يدعى هامان، ولم يحدث أبدا أن وقعت مذبحة لليهود في إيران. ويذكر «سفر إستر» أن إيران شهدت مذبحتين كبيرتين في عصر إستر، الأولى حين أعد هامان مؤامرة لذبح اليهود الذين يعيشون في فارس، لكن إستر (ملكة إيران) أقنعت الملك بمنع المذبحة، وأخذ الملك برأيها وأمر بقتل كل الفارسيين المعادين لليهود. ومن الواضح تماما أن هذه المعلومات كلها غير صحيحة.

ويرى بعض العلماء المعاصرين أن «سفر إستر» ما هو إلا قصة تاريخية قصيرة، أي أن أحداثه - وإن كانت دقيقة من الناحية التاريخية - كُتبت لتحكي حكاية فترة معينة من فترات التاريخ، وهي في هذه الحالة أصل عيد «البوريم» اليهودي. دعونا ننظر إلى بعض المعلومات الخاطئة المتعلقة بمذبحة اليهود التي ذكرها «سفر إستر».

لقد ألف مايكل فوكس كتابا عميقا عن إستر بعنوان «الشخصية والآيديولوجية في سفر إستر»، وفي الفصل الثالث من هذا الكتاب يتناول البعد التاريخي والتأريخي للأحداث، وأول سؤال طرحه فوكس هو: هل حدث هذا حقا؟ وقد ركز فوكس على الحجج التي تفند تاريخية ذلك السفر، وذكر ست نقاط مهمة حول أبعاده التاريخية وما به من تزييف، ووصل في النهاية إلى أن «هذه الأخطاء والمستحيلات والأشياء البعيدة عن التصديق كلها تبين أن الأحداث لم تقع كما ذكرت، بما يعني أن هذه الأحداث لم تقع أصلا، بل كُتبت في فترة لاحقة على يد مؤلف لا يدري شيئا عن التسلسل التاريخي والجغرافيا ووقائع الفترة التي يكتب عنها» (مايكل فوكس، إستر، ص: 134).

وحين تلقى نتنياهو النسخة الأنيقة من «سفر إستر»، وجدها فرصة ليقول: «إذن فهم أيضا يريدون محوَنا من الوجود».

لكن الجميع يعلمون أن الحرب على العراق استندت إلى معلومات خاطئة، وما أريد تأكيده هو أن «سفر إستر» ليس دليلا كافيا من أجل شن حرب على إيران.

ولم يكتفِ أوباما بإهداء «سفر إستر» إلى نتنياهو، بل أعلن أمام لجنة الشؤون العامة الأميركية - الإسرائيلية (أيباك)، استنادا إلى خطاب بانيتا - وزير الدفاع - أن «إسرائيل ستكون البلد الوحيد في الشرق الأوسط الذي يحصل على مقاتلات نفاثة من طراز (إف 35)، كما أن الولايات المتحدة رفعت من حجم مساعداتها الأمنية لإسرائيل على الرغم من خفض الموازنة». وبالإضافة إلى ذلك، فقد طلب نتنياهو من بانيتا الموافقة على بيع صواريخ خارقة للتحصينات تحت سطح الأرض، كما ذكر مسؤول أميركي أن مصادر عليا في الإدارة قالت: «إن أوباما أصدر تعليمات لوزارة الدفاع بالتعاون مع وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك وتوجيه كل العناية والاهتمام إلى طلبه شراء صواريخ من نوع (جي بي يو 28) وطائرات متقدمة للتزويد بالوقود في الجو».

ويبدو أن أوباما كان في منتهى الصدق حين قال إن أحدا لم يدعم إسرائيل أكثر من أوباما، ويبدو أن هذا القرار كان قد اتخذ فعلا منذ ثلاث سنوات.

وقد كشفت البرقيات الدبلوماسية التي نشرها موقع «ويكيليكس» عن مناقشات حول شحنات من الأسلحة المتقدمة، وأظهرت إحدى تلك البرقيات التي تناولت المناقشات الدفاعية بين إسرائيل والولايات المتحدة التي جرت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2009، أن «كلا الجانبين ناقش حينئذ عملية التسليم المرتقبة لصواريخ (جي بي يو 28) الخارقة للتحصينات تحت سطح الأرض إلى إسرائيل، مؤكدين ضرورة أن يظل التسليم سرا من أجل تجنب أي مزاعم بأن الولايات المتحدة تساعد إسرائيل على الإعداد لضربة ضد إيران».

لكن هذا السيناريو فيه خفايا وأسرار؛ فمنذ بضع سنوات، أجرى نتنياهو مناقشة متعمقة مع برنارد لويس، الخبير في شؤون الشرق الأوسط، ومع نهاية حديثهما كان مقتنعا بأن قادة إيران إذا حصلوا على أسلحة نووية فإنهم سيستخدمونها. ومنذ ذلك اليوم، بدا نتنياهو مقتنعا بأننا نعيش إعادة لثلاثينات القرن العشرين (هآرتس، 23 - 02 - 2012، بقلم: آري شافيت).

وقد أكد تحقيق نشرته صحيفة «هآرتس» مؤخرا الدور الإرشادي الذي لعبه الدكتور برنارد لويس في محاولة بنيامين نتنياهو دق طبول حرب عالمية ثالثة نووية، وهو أمر له أهمية خاصة قبل الأحد المقبل، موعد بدء دورة مجلس الحرب في «أيباك» في واشنطن. وقد كان لويس هو أول من وضع مصطلح «صدام الحضارات» قبل ثلاث سنوات من نشر كتاب هنتنغتون، كما كان أكبر مستشار «خارجي» لنائب الرئيس ديك تشيني لشؤون الشرق الأوسط في فترة اشتعال الحرب في الشرق الأوسط. وهو أول من تنبأ، في أغسطس (آب) 2006، بأن تشن إيران هجوما نوويا على إسرائيل، قائلا إن إيران تعمل سرا منذ عقود من أجل تصنيع قنبلة نووية، وقد كانت هذه هي الرسالة التي وصلت إلى نتنياهو.

ويؤمن لويس بأننا وصلنا إلى المعركة الأخيرة في الحرب التي امتدت لأربعة عشر قرنا بين المسيحية والإسلام، والتي ستنتهي بمواجهة عالمية وكشف للأوراق في المستقبل القريب جدا. وفي أواخر التسعينات من القرن العشرين، كان لويس قد أصبح من أوائل من ألقوا الضوء على أسامة بن لادن، الذي وصفه بأنه أحد أكبر الشعراء المحاربين في الإسلام. وفي فترة من الفترات، عمل لويس على ترجمة خطب بن لادن، واصفا إياها بأنها من أعظم الأدبيات في تاريخ الإسلام.

أعتقد أن بن لادن لم يكن بالقطع أعظم الشعراء المحاربين في الإسلام، وأن «سفر إستر» ليس دليلا كافيا من أجل إشعال حرب جديدة في الشرق الأوسط. وإذا أردت أن تقرأ كتابا طريفا، فأنا أنصحك بقراءة كتاب «الشرق الأوسط الجديد» الذي ألفه شيمعون بيريس، بطل الحرية، كما وصفه أوباما ذات مرة.

وفي المقابل، إذا أردت أن تقرأ كتابا رائعا، فعليك بكتاب «الحكم دون يقين.. التوجيه الحر والتحيز» من تأليف دانيال كانمان، الذي يبين فيه أن التمييز بين اليقين وعدم اليقين يمكن أن يكون عملية في غاية السهولة. ويعتبر «سفر إستر» من النوع الذي يبنى على عدم اليقين، فنحن نعيش في عالم مليء بعدم اليقين وبالألقاب الزائفة.

لقد قال الرئيس أوباما: «سأدعو شيمعون بيريس إلى البيت الأبيض لأقلده أرفع تقدير مدني أميركي، وهو ميدالية الحرية الرئاسية».

ياللحسرة! إننا نعيش حقا في عالم غريب، يعتبر فيه شيمعون بيريس بطلا للحرية، وبرنارد لويس أكبر عقل في التاريخ، ورجل مثل نتنياهو رجل سياسة. بارك الله في عالم كهذا!