حرب بين «الإخوان» وحزب الله في سوريا

TT

لو قال أحد قبل سنة إن مواجهة عسكرية ما، ستحدث بين مقاتلين من حزب الله ومسلحين ينتمون إلى «الإخوان» لاتهمه الناس في عقله، فــ«الإخوان» لهم علاقاتهم الخاصة والمعقدة بإيران، وبحزبها في الجنوب اللبناني، وحركة حماس، الفرع الإخواني في فلسطين، توثقت علاقتها مع إيران لدرجة الدعم المادي ودفع جزء من ميزانيتها ورواتب موظفيها في القطاع، لتأتي الثورة السورية وتفاجئ وتربك، ليس النظام السوري فقط، بل حتى علاقة الإخوان المسلمين بإيران وحليفيها في المنطقة حزب الله وحماس (مع اعتقادي أن حلف إيران مع الأول استراتيجي آيديولوجي، ومع الثاني تكتيكي وقتي).

وها هم الإخوان المسلمون يجدون أنفسهم في مواجهة تجاوزت الاحتكاك السياسي للاحتكاك العسكري مختصرين الترتيب المنطقي لأي مواجهة في الدنيا (أزمة سياسية ثم مواجهة عسكرية)، بل ليس من المبالغة القول إن الدعم الإيراني اللامحدود لنظام بشار الديكتاتوري أدى إلى مواجهات عسكرية مفتوحة بين مقاتلين ينتمون إلى الإخوان المسلمين في سوريا ومقاتلين من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله، إذ إن عصب المعارضة السورية هم من الإسلاميين وخاصة الإخوان المسلمين، وهم أيضا مشاركون فاعلون في المعارضة المسلحة، وفي ذات الوقت تتواتر الأخبار «ومن مصادر إخوانية» عن مشاركة «إيرانية حزب إلهية» في صفوف قوات بشار ضد جيش سوريا الحر، وقد شاهد العالم صور الجنود الإيرانيين الذين أسرتهم المعارضة المسلحة.

إذن، صارت الساحة السورية مواجهة حقيقية سياسية وعسكرية بين الهلال الشيعي وحركة الإخوان المسلمين، حتى ولو وصفها المراقبون بالحرب الباردة بين التنظيم العالمي للإخوان المسلمين والدول التي صار يحكمها الإسلاميون من جهة وإيران وحليفها نظام بشار من الجهة الأخرى حول الثورة السورية، فإنها تظل مواجهات غير مسبوقة، فمثلا حركة النهضة التي باتت حاكمة لتونس، والتي يتمتع زعيمها راشد الغنوشي بعلاقات قديمة ومتينة مع ثورة إيران، دخلت هي الأخرى في أتون هذه الحرب الباردة، فاستضافت المعارضة السورية ودعمتها سياسيا، ومع أن الحركة الأم للإخوان المسلمين في مصر اعتور موقفها من الثورة السورية شيء من الضبابية وتعرضت بسببه لانتقادات شديدة، فإنه سرعان ما انجلى عن موقف أكثر إيجابية من الثورة في الأسابيع الأخيرة، وحتى حماس، المستفيد الأكبر من الدعم المادي الإيراني واللوجيستي السوري، هي الأخرى، بدأت تكسر - وإن بخجل - صمتها المطبق حول ما يجري في الساحة السورية، وبدأت تتحرر من هذا الصمت بقدر تحرر قادتها من الضغط السوري، أو بعبارة أدق، الابتزاز السوري، هذا التحرر الذي وصل لخطوات متقدمة بخروج قادة حماس من دمشق وتوج بتصريحات إسماعيل هنية في زيارته الأخيرة للقاهرة، التي أيد فيها مطالب الشعب السوري.

ثمرة هذه الجدلية أن أمام محور الاعتدال، التي تدهورت علاقاتها بإيران وسوريا، فرصة ذهبية مواتية، وذلك بالعمل على تجسير العلاقة مع القوى الإسلامية الصاعدة، التي تولت الحكم في كل من تونس ومصر وليبيا وتناسي خلافاتهم القديمة، التي من شأن استمرارها خدمة لمزيد من التدخلات الإيرانية في منطقتنا العربية، إذ إن النفوذ الإيراني المؤدلج مثل البكتيريا الضارة لا تتكاثر إلا في الأجواء الموبوءة.

[email protected]