عام على الثورة السورية

TT

منذ عام، وفي مثل هذه الأيام، انطلقت الثورة السورية، وهي بذلك تكون الأطول مدة في ثورات الربيع العربي والتي يتحمل لأجلها الشعب السوري العظيم التكلفة الأبهظ ثمنا بسبب أعداد القتلى المهولة، وأرقام المصابين والجرحى والمعتقلين والمفقودين واللاجئين.. إنها الثورة الأكثر دموية، لأنها تواجه النظام الأكثر دموية أيضا.

الثورة السورية هي الثورة الأكثر تعقيدا أيضا، كونها تفك الكثير من العقد والطلاسم والأساطير والأكاذيب السياسية التي رُوج لها لعقود طويلة جدا من الزمن حتى رسخت في الأذهان صورة مغايرة تماما للحقيقة.

لم تكن صدفة أن يكون مطلقو الثورة السورية هذه هم حفنة من الأطفال في إحدى مدارس مدينة درعا، وكأن في ذلك رمزية واضحة أن الأجيال الجديدة القادمة لن تكون أسيرة، كغيرها، لسلاسل القمع، ولا إلى قيود الوهم. انطلقت الشرارة لتشعل كافة المناطق في سوريا تباعا وبالتدريج لتلحق بدرعا عن قناعة تامة بأن أوان الحرية قد حل، وأن وقت الكرامة قد أزف.

ولكن الصمت العالمي والعربي إزاء آلة القتل والقمع الأسدية بحق الشعب كان مريبا وغامضا، خصوصا في ظل المشاهد المذهلة والمروعة للمذابح والمجازر التي كان أفراد الجيش الأسدي وأمنه يقومون بها في حق الشعب، وبالتدريج وقليلا قليلا بدأت الدول الواحدة تلو الأخرى تلوم الرئيس السوري بشار الأسد شخصيا وبشكل مباشر عن كافة هذه التجاوزات، وبدأت تطالب بوقف المذابح هذه ولكن دون فائدة لأن وعود الرجل تبين أنها كانت مجرد محاولات لكسب الوقت والاستمرار في النهج القمعي الذي لم يعرف النظام يوما غيره، لأنه اللغة الوحيدة التي يتقنها.

النظام الأسدي في سوريا كان دوما لغزا أسود، وسرا قذرا، فالكل كان يعلم أنه نظام طائفي وقمعي بامتياز، وينكل بشعبه بأسوأ الطرق وأقبح الأساليب، ولعل في مذبحته الشهيرة التي قام بها على مدينة حماه وأدت إلى سقوط 45 ألف قتيل في مدة لا تتجاوز الـ28 يوما أبلغ وأدق دليل على ذلك، حتى النظام الذي روج لنفسه بشكل مركز على أنه هو الذي يصون ويدعم وينمي فكرة المقاومة عجز عن إقناع شعبه والعالم لماذا لم يستطع القيام بأي نوع من المقاومة يذكر لأجل تحرير الجولان السورية المحتلة منذ أكثر من أربعين عاما، واكتفى بدعم مقاومة تحرير الجنوب اللبناني وبعض أطياف المقاومة الفلسطينية.

الجولان، تلك الهضبة السورية التي سقطت بشكل غامض ومريب في حرب 1967، بسبب معلومات مغلوطة سربت من السوفيات لعبد الناصر ومصر عن وجود حشود عسكرية إسرائيلية كبيرة على الحدود، مما استدعى تأهب مصر وإعلانها للحرب، وكانت الضربة الإسرائيلية الاستباقية، وهزم العرب، وانسحبت القوات السورية من الجولان بشكل يبقى لليوم لغزا محيرا جدا.

ولكن يبدو أن سقوط الجولان المحير يساوي لغزا محيرا آخر وهو الصمت عن المقاومة لأجل تحرير الجولان، فالعالم لم يسمع أبدا بفيلق الجولان ولا كتائب الجولان ولا حزب الجولان تحت راية السوريين ولا حزب الله ولا إيران، وكان دائما هذا مثار قلق واستغراب، بعكس ما كان يحدث من ترويج باسم فلسطين والقدس طبعا، ومن الواضح أن كل ذلك كان لأجل عدم إحراج نظام دمشق بشكل واضح وجلي، فلا يمكن وقتها أن يدافع النظام الأسدي عن هذا.

الثورة السورية لا تزال مستمرة وبزخم متواصل، وهناك دعم وتعاطف وقناعة عالمية بها، والموقف الروسي والصيني الداعم لنظام الأسد، بالإضافة لبعض الدول الأخرى، هو بالتأكيد في خانة الأقلية التي لن تصمد أمام رغبة الشعب الحر الأبي الذي أعلن رغبته بشكل مستمر ومتواصل ولن يعود عن رغبته حتى يتحقق له مراده.

المنطقة العازلة تقترب من فكرة التحقق، وتسليح المعارضة السورية بات أمرا واقعيا، والخروج الجماهيري في كل سوريا بشكل يومي بات مسألة لا يمكن إنكارها. لم يتعظ بشار الأسد من دروس من رحلوا قبله، وبالتالي عليه انتظار نفس المصير الذي حدث لمن سبقه. الثورة السورية تشهد مخاضا أليما عظيما، لأن المولود الآتي يستحق، فالحرية والكرامة ثمنهما عظيم.

[email protected]