ماذا ينفع الصوت إذا فات الفوت؟!

TT

لا أدري ماذا أصنف أو ماذا أصف هذا الزمن الذي تعيشه مصر حاليا، فلا هو بالزمن الأغبر ولا الأبيض ولا حتى الأسود، إنه زمن خارج عن كل الألوان.

وليسمح لي الأستاذ (عادل درويش) أن أجتزئ شهادة أو مقطعا من مقالة كتبها في هذه الجريدة قبل عدة أيام ويقول فيها:

«مصر استقلت عام 1922، قبل الهند بأكثر من ربع قرن. وكان الزعيم الهندي العظيم المهاتما غاندي طلب النصح والمشورة من زعيم الأمة المصرية سعد باشا زغلول، بعد نجاح ثورة 1919 واستقلال مصر وبناء نظامها الديمقراطي، وسأله كيف تتمكن كزعيم للأمة من توحيد كل أبناء وبنات مصر، عندما كان اليهود والمسيحيون، أقباطا مصريين أو أوروبيين، من قادة ثورة 1919 وانتخبوا أعضاء برلمان مصر، وخدموا كوزراء في الحكومة؟».

ويمضي قائلا «لا يجب إغفال عقدة حمل المصريون والأفارقة والعرب أنفسهم بها، فأصبحت كحجر الطاحونة فوق صدورهم. عقدة خداع الذات في تحميل (الاستعمار) أسباب التخلف الذي يعانونه. عصر النهضة المصرية (منتصف عشرينات القرن الماضي)، حيث كان الاقتصاد المصري في مقدمة اقتصادات العالم، عشية انقلاب 1952 كانت بريطانيا مدينة لمصر وكان المتعلمون وأصحاب المهارات الأوروبيون يهاجرون إلى مصر لتحسين فرصهم المعيشية والبحث عن حياة أفضل ومجتمع متحضر - وهي الهجرة التي بدأت منذ بناء الخديو إسماعيل مصر الحديثة - وكان الأرستقراطيون اليونانيون يرسلون أولادهم للدراسة في الإسكندرية (كملكة إسبانيا الحالية صوفيا التي أرسلها أبوها ملك اليونان إلى كلية إسكندرية الإنجليزية للبنات EGC، أفضل مدرسة بنات في حوض المتوسط)، وحكام الهند الإنجليز يرسلون أولادهم إلى كلية فيكتوريا في الإسكندرية».. انتهى كلام الأستاذ عادل.

ومن الصدف التي لا أعلم هل هي حسنة أم سيئة أنه وقع في يدي كتاب ضخم مكون من 460 صفحة من القطع الكبير عنوانه: «السجل الثقافي للسنة الماضية» - أي سنة 1947 في مصر.

وألخصه لكم بعجالة موضحا أن ذلك السجل يتضمن مظاهر النشاط الثقافي بكل اتجاهاته ومراميه، سواء كانت رسمية أو غير رسمية، وذلك في سنة 1947 بجانب الإحصاء الشامل لمظاهر هذا النشاط خلال سنة 1948 في التأليف والترجمة، ودور الكتب العامة، ودور النشر، والصحف والمجلات، والإذاعة والمحاضرات، والجماعات والهيئات الثقافية، والمؤتمرات، والمهرجانات، والمسابقات الأدبية والعلمية، والمتاحف، والحفائر، والمعارض، والمسرح والسينما، وكل ما يمت بسبب إلى الثقافة العامة. وقد صدر بمقدمة للأستاذ محمد عوض محمد بك، المدير العام للثقافة، ونوه فيه بفضل الأستاذين محمد عبد الواحد خلاف بك، ومحمد فريد أبو حديد بك، في العناية بموضوع التسجيل الثقافي.

ويدهش الذي يتصفح ذلك السجل من الحياة الحافلة التي يمور فيها المجتمع في ذلك الزمن.

هكذا كانت مصر بالأمس، فماذا كان سوف يكون حالها اليوم، يا ترى، لو أنها استمرت بذلك التقدم وذلك الزخم؟!

ولكن ماذا ينفع الصوت، إذا فات الفوت (!!) حقا ماذا ينفع؟!

[email protected]