بداية سيئة لحكم «الإخوان» بمصر

TT

رئيس مجلس الشعب المصري الجديد والقيادي الإخواني، سعد الكتاتني، يركب سيارة قيمتها مليون وأربعمائة ألف جنيه، وتتم سفلتة شارعه دون الشوارع المحيطة، ويغلق شارعه دون العابرين، ولا يتحرك إلا بموكب، ويصحب معه في رحلته الخارجية مسؤول صدر في حقه حكم قضائي بعدم السفر بسبب تهم بفساد مالي.. هذا ما أعلنه اثنان من أشهر مقدمي البرامج الحوارية المصرية، محمود سعد وعمرو أديب. وأنا أتمنى أن يكون ذلك غير صحيح أو غير دقيق، مع أن هذين الإعلاميين العلمين ناشدا رئيس مجلس الشعب أن يعقب أو ينفي أو يوضح، ولم يصلهما منه رد (أديب عرض لقطة لموكب الكتاتني وسيارته الفخمة)، من حق الناس أن تتساءل إن ثبت هذا يقينا: «إذن ما الفرق بين الكتاتني وسرور»؟

ثورة مصر الأخيرة، يا سادة، قوضت عشرات السنين من الفساد، ولأنه فساد تحميه ديكتاتوريات واستبداد، فقد بدا الأمر منطقيا، فالفساد قرين الاستبداد، لكن أن تصدر «مؤشرات» فساد من رئيس أعلى سلطة رقابية وتشريعية منتخبة في البلاد، وبعد ثورة شعبية تاريخية وقودها الفقراء والجياع والعاطلون والمحرومون والمطحونون، فهذا غير مقبول.

وإذا كان التاريخ المصري قال إن الملكية الإقطاعية هي التي تسببت في ثورة العسكر عام 1952، وإن استبداد العسكر وفسادهم الذي استمر إلى يناير (كانون الثاني) 2011 هو الذي تسبب في ثورة يناير الشعبية السلمية، فماذا عسى التاريخ أن يقول عن فساد كان أحد مخرجات ثورة جماهيرية هادرة إحدى أسمى غاياتها محاربة الفساد، ومن رئيس لبرلمان استظل تحت قبته بإرادة شعبية خالصة؟ ثورة ثمنها باهظ وإحدى فواتيرها العالية هذه الهشاشة الأمنية، وعدم الاستقرار الاقتصادي، وغلاء الأسعار، وانتشار البطالة، بل حتى بعض أعضاء مجلسه لا يملك سيارة، فلا يليق أن يقابل ذلك كله بهذه الرفاهيات و«الفشخرة» التي فاجأ بها رئيس مجلس الشعب شعبه.

إن أدبيات الإسلاميين عامة، و«الإخوان» خاصة، مكتنزة بالتنظير والترغيب في حكم «الإسلاميين»، وأنهم لو حكموا سيكونون الأكثر زهدا والأكثر تواضعا والأكثر نزاهة، ويسوقون في ذلك شواهد وروايات كثيرة من تاريخ الخلفاء وحكام المسلمين الزاهدين العادلين، كما أن أدبياتهم في معارضة الحقبة المباركية والناصرية، والساداتية أيضا، مليئة بالانتقادات الشديدة لبذخ المسؤولين وفسادهم وانتشار المحسوبية بينهم، فلا نلوم الشعب المصري ولا إعلامييه، ولا العرب الذين يرقبون التجربة الوليدة، إذا وجهوا سهام نقدهم الحادة للذين يستندون إلى مرجعية إسلامية ثم يخالفون الناس إلى ما نهوهم عنه.

ثم إن المصيبة ليست في من يلِغ في الفساد فحسب، ولكن المصيبة في الدفاع عنه أو تبريره، وأم المصائب التوصية بإضفاء الستر عليه حتى لا يشمت بنا خصومنا، يجب أن تتربى الأجيال الجديدة على نبذ الاستبداد وصنوف الفساد قبل أن تكتشف هوية الفاعل أو رايته أو توجهه أو حزبه، الفساد مرفوض سواء ارتدى ربطة عنق ليبرالية أو اعتمر عمامة إسلامية. إن من مصلحة التجربة الوليدة لحكم الإسلاميين في مصر أن تسلط المجاهر على شرر الفساد، لا أن ننتظر اندلاع الحريق فيخرج عن السيطرة، والذي يريد أن نزيد الكيلة في فضح الاستبداد ورموز الفساد في الحكومات، ونسكت عن استبداد التوجهات الإسلامية وغير الإسلامية، يعاني من «الحول الاستبدادي».

[email protected]