تمهيد الطريق للاحتيال في «وول ستريت»

TT

منذ نحو 20 عاما مضت، كان بنك «بانكرز تراست» يحقق نجاحات مدوية. لقد حقق المصرف، الكائن في نيويورك، شهرة كخبير في الأوراق المالية المشتقة الجديدة في ذلك الوقت، وكان يحقق أرباحا ضخمة. وفي حقبة كان ينظر إلى المصارف التجارية فيها في المعتاد باعتبارها محافظة وتفتقر إلى الخيال، ظهر كمصدر إلهام.

وسعى أمناء خزائن الشركات إلى الاستفادة من رؤاه عن وسائل زيادة الدخل إلى أقصى حد ممكن من النقد غير المستغل. وقد تدافعت شركات «وول ستريت» لدخول المنافسة. حينها، ظهرت شرائط مهمة. وعلى تلك الشرائط، التي تم تسجيلها في عامي 1993 و1994، سمع مسؤولو «بانكرز تراست» يناقشون كيف كانوا يخدعون عملاءهم الذين لم يدركوا الأساليب التي كانوا يتبعونها معهم. وفي محادثاتهم مع بعضهم البعض، اعتاد المصرفيون استخدام مصطلح «R.O.F»، وهو اختصار لـ«عامل احتيال»، وهو عبارة عن المبلغ الذي يمكن أن يأخذه البنك من العملاء غير المتشككين.

وقد تضمن هؤلاء العملاء «بروكتر آند غامبل» و«غيبسون غريتنغز»، حيث أبرما تعاقدات مع «بانكرز تراست» لإجراء مبادلات معدل فائدة معقدة يمكن أن ترفع دخول الشركات بقدر ضئيل، إذا ما استمرت معدلات الفائدة في الهبوط - مثلما اعتقد أنه سيحدث - لكنها تؤدي إلى خسائر طائلة، إذا ارتفعت المعدلات بنسبة ضئيلة فقط. ارتفعت المعدلات بنسبة محدودة، وسرعان ما عثرت الشركات على أدلة تثبت أنه قد روت للعملاء أكاذيب وتمت مقاضاتهم. في النهاية، أجبر «بانكرز تراست» على التسوية.

لم يعد «بانكرز تراست» مطلقا مثلما كان بعد تلك الواقعة. كان ما زال شركة تداول جريئة، لكن في عام 1998، قامت ببعض المراهنات السيئة الخاصة بها. انتهى بها الأمر بالاستحواذ عليها من قبل «دويتشه بنك». وفي سبيل إيجاد مخرج، اعترفت الشركة بأنها قد احتالت على ولاية نيويورك بالاستيلاء على أموال متروكة كان يجب أن تؤول إلى الولاية.

مصير «بانكرز تراست» عاد إلى الأذهان هذا الأسبوع حينما اختار مصرفي من الدرجة المتوسطة بمصرف «غولدمان ساكس» ترك الشركة عقب هجوم وجه إليها عبر صفحة الرأي الافتتاحية في صحيفة «نيويورك تايمز». كتب غريغ سميث: «حضرت اجتماعات خاصة بمبيعات المشتقات، حيث لم تخصص ولو دقيقة واحدة لطرح أسئلة عن كيفية مد يد العون للعملاء». وأضاف: «كانت الاجتماعات منصبة حول كيف يمكننا تحقيق أكبر قدر من الأرباح منهم».

منحنا «بانكرز تراست» مصطلح «عامل الاحتيال». ويقول سميث إن «غولدمان ساكس» اعتاد الإشارة إلى عملائه بوصفهم «دمى»، والحديث عن «نزع المقل» ومكافأة الموظفين على «صيد الأفيال»، وهو مصطلح ذكر أنه يعني إقناع العملاء بالقيام بأي تعاملات ستكون أكثر ربحية لبنك «غولدمان».

في مجال التمويل، كثيرا ما كان ينظر إلى عمل المصرفي باعتباره سمكة قرش تمزق أعداءها إربا إربا باعتباره عملا إيجابيا. تلك السمعة سوف تثير اهتمام العملاء الذين يرغبون في توظيف تلك الأساليب لمنفعتهم الشخصية. ربما تتمثل العقبة بالنسبة لمصرف «غولدمان»، مثلما كانت بالنسبة لشركة «بانكرز تراست»، في أن العملاء سيتجنبونه إذا ما رأوا أنه يسعى إلى الاحتيال عليهم.

ويتمتع مصرف «غولدمان» الآن بموقع أقوى بكثير في السوق من ذلك الذي تمتع به «بانكرز تراست». ربما لا يكون منافسوه بدرجة الشراسة الواضحة التي كانت عليها «سيتي غروب» في تسعينات القرن الماضي، عندما لاحقت عملاءها بإعلان جاء فيه: «إنك تتوقع أن تحل المشتقات المشكلات، لا أن تتسبب فيها». لكنهم سوف يجتذبون العملاء بهدوء بقولهم إنهم يعملون لصالحهم، لا ضدهم. كان أحد الأخبار المدهشة هذا العام هو حقيقة أن «وول ستريت»، مع كل سلوكياتها اللاأخلاقية، على وشك تحقيق انتصار تشريعي بارز في الطريق نحو العودة إلى عقود من اللوائح والقواعد الهادفة إلى منع المكتتبين من خداع العملاء. في الأسبوع الماضي، مرر مجلس النواب، بدعم من جميع الأعضاء الجمهوريين ومعظم الأعضاء الديمقراطيين - بالإضافة إلى تصديق من البيت الأبيض - مجموعة مشاريع قوانين تهدف إلى تسهيل حصول الشركات الناشئة حديثا على رأس المال اللازم. ومنطق هذا القانون أنه إذا ما أمكننا أن نسهل على الشركات جمع رأس المال، فسوف نقوم بتعيين مزيد من الأفراد. هل تتذكر فضائح فقاعة الإنترنت؟ حينها، حصلت شركات «وول ستريت» على صفقات من خلال تقديم وعود للشركات بأنها ستكتب تقارير بحثية إيجابية عنها، إذا ما تعاقدت معهم الشركة على اكتتاب عام في أسهمها. طرحت الشركات في اكتتاب عام بسرعة محمومة، صاعدة في الأغلب إلى مستويات مذهلة من دون تحقيق زيادات مماثلة في المبيعات، فما بالك بالأرباح. بعدها، انهارت جميع تلك الشركات.

في أعقاب ذلك، أجبر الوسطاء من قبل لجنة الأوراق المالية والبورصة، بالإضافة إلى النائب العام لولاية نيويورك، على تعديل أساليبهم المتبعة. ولم يعد يسمح للمحللين بالمشاركة في المقابلات مع العملاء بخصوص الاكتتابات العامة. من شأن مشروع القانون أن ينهي العمل بتلك القاعدة بالنسبة لجميع عروض الاكتتاب الجديدة، باستثناء العروض الكبرى. تلك التي تضم شركات يزيد حجم مبيعاتها عن مليار دولار. وسيتخطى مشروع القانون ذلك. ومثلما يشير القانون الآن، فلإبقاء المكتتبين بعيدا عن تقديم عروض ترويجية لزيادة المبيعات تتجاوز نطاق ما يسمح للشركات بالترويج له، يحظر على المكتتبين نشر أبحاث عن شركة، أي شركة، وقت طرح أسهمها للاكتتاب العام. ومن المنتظر أن يسمح مشروع القانون بإجراء مثل تلك الأبحاث، كذلك سيشير إلى أن الشركة لا تتحمل أي مسؤولية عما قيل داخلها. فعليا، ستكون هناك نشرة اكتتاب ثانية؛ محصنة بشكل كبير ضد قوانين الأوراق المالية وتتمتع بحرية الترويج للاكتتاب العام بتقديم توقعات ليس مسموحا بها في مواضع أخرى.

لم الحاجة لهذا؟ يشير مؤيدون إلى حقيقة أن هناك عددا أقل من الاكتتابات العامة الأولية الآن منه أثناء فقاعة الإنترنت. وقد تم تجاهل حقيقة أن معظم تلك الاكتتابات كانت بمثابة استثمارات مروعة. كذلك، لم يتم الوضع في الاعتبار فكرة أن المستثمرين الذين وقعوا ضحايا لعمليات احتيال من قبل قد يصبحون أكثر حذرا. يجب أن يكون السبب هو القوانين المبالغ فيها وباهظة التكلفة بشكل لا عقلاني.

فضلا عن ذلك، فإن مشروع القانون يخفف القيود المفروضة على عروض الاكتتاب الجديدة بصور أخرى. ثمة قيود الآن لجعل عروض الاكتتاب الخاصة تبقى محتفظة بخصوصيتها، بدلا من السماح بالترويج لها على نطاق واسع. انس كل ذلك. يتبنى مشروع القانون مفهوم «التمويل الجماعي»، الذي من خلاله يمكن لأي شخص نشر فكرة على الإنترنت وجمع أموال لدعمها. إذا جمعت مليون دولار فقط بتلك الطريقة، فحينها لن يتعين عليك أن تقدم بيانات مالية. لن تكون ملتزما بأي صورة بإبقاء المستثمرين على علم. وإذا كنت تعتزم نشر بيان مالي عند سعيك لجمع المال، فيمكنك جمع مبلغ يصل إلى مليوني دولار.

من الجوانب المثيرة للاهتمام في مشروع القانون؛ التسهيل على الشركات عملية زيادة رأس المال دون كشف الكثير من التفاصيل، وهو ما من شأنه أن يسهل على الشركات التي تطرح أسهمها للاكتتاب العام، التي لديها رأسمال، إخفاء بعض الأمور وعدم الاضطرار إلى تقديم معلومات مالية لحاملي أسهمها. ويبدو أن الرسالة الأساسية المقدمة للمستثمرين هي: امنحنا مالك، ثم لا تزعجنا بعد ذلك.

طلبت لجنة الأوراق المالية والبورصة، التي شعرت بالقلق من سيل عمليات الاحتيال العام الماضي، من الشركات الصينية الالتزام بالقوانين نفسها التي يلتزم بها الأميركيون، والتي تتضمن الإعلان عن النشرات بمجرد عملها. ولم يعد هناك أي عمليات اكتتاب عام صينية جديدة في الولايات المتحدة منذ الصيف الماضي، وسيتم إلغاء هذا القيد بفضل مشروع القانون المقدم.

وقال بول جيليس، مدقق سابق في «برايس ووتر هاوس كوبرز» في الصين، وهو أستاذ زائر في جامعة بكينغ: «إذا أعجبتك رسائل البريد الإلكتروني من محتالين نيجريين، فانتظر لترى المجموعة الجديدة من الشركات الصينية التي تبحث عن استثمار، والتي ستحظى بوضع قانوني».

وأشاد جيليس في مقابلة بالقسم 404 من قانون «ساربينز أوكسلي» لعام 2002، الذي يلزم الشركات التي تطرح أسهمها للاكتتاب العام بوضع قيود وأنظمة رقابة داخلية وتلزم المدققين بتقديم الأدلة على ذلك. وقال: «عندما تدرج الشركات على قائمة التداول في البورصة، تعين مستشارين لمساعدتهم في وضع أنظمة رقابة داخلية لضمان نزاهة تقاريرهم. هذه اللوائح أمر جديد على تلك البلاد، وكانت مفيدة إلى حد بعيد. ولم يكن هناك إلا شركتان صينيتان محتالتان فقط مما ينطبق عليها القسم رقم 404». ونتيجة لهذا الضغط المكثف من قبل صغار رجال الأعمال، لم يتم تطبيق القسم 404 على الشركات الأميركية التي تقل قيمتها السوقية عن 75 مليون دولار.

وسوف يمنح مشروع القانون الجديد أي شركة جديدة تطرح أسهمها للاكتتاب العام فترة سماح مدتها 5 سنوات ما لم تصل قيمة أسهمها المطروحة للاكتتاب 700 مليون دولار أو تزيد عائداتها على المليار دولار. ويمكن لأي شركة اختارت طرح أسهمها للاكتتاب العام بالطريقة التقليدية من خلال نشرة إعلانية تقديم أوراقها إلى لجنة الأوراق المالية والبورصة بشكل غير معلن؛ بحيث يرى العامة الاكتتاب فقط بعد التأكد من سلامة موقفها. وفي حال عدم انتباه اللجنة لأمر ما، لن يكون هناك وقت كاف لملاحظته من قبل أي شخص.

ولم يكن لواضعي القواعد المنظمة للسوق أي دور تقريبا عندما أقر مجلس النواب القانون الأسبوع الماضي. وكتبت مجموعة من واضعي القواعد المنظمة للسوق، القلقين من طريقة عرقلة القانون خلال الأسبوع الحالي، وماري شابيرو، رئيسة لجنة الأوراق المالية والبورصة، إلى أعضاء مجلس الشيوخ مطالبين بإدخال بعض التعديلات على القانون حتى يصبح أقل إثارة للغضب، لكن لم يتم الاستجابة لهم، وتم إقرار القانون الأسبوع الحالي، لكن حدد مجلس الشيوخ يوم الثلاثاء للتصويت على مشروع قانون بديل يوفر بعض الحماية للمستثمرين مقدم من 3 أعضاء من مجلس الشيوخ عن الحزب الديمقراطي هم جاك ريد، وكارل ليفين، وماري لاندريو. ويقدم هذا لمحة عن مصير واحد من التعديلات المقترحة من قبل الـ3 أعضاء في مجلس الشيوخ المذكورين آنفا على المشروع الذي أقره مجلس النواب، والذي يلزم أي شركة تحاول جمع رأسمال من العامة باطلاع المستثمرين على موازنة مدققة. حتى إذا تم تبني القانون البديل، سيظل هناك «تجمعات مالية» لكن سيكون هناك المزيد من الحماية. مع ذلك ستحقق «وول ستريت» نصرا كبيرا ولن يحظى المستثمرون بحماية أكبر من الحماية التي يحظون بها حاليا. ويتوقع جيليس قائلا: «في غضون 3 أعوام أو ربما 5، سيعودون لسد تلك الثغرات حيث سيكون هناك عمليات احتيال كثيرة». ويرى أنه يجب تسمية مشروع القانون بـ«قانون تقدم المخادعين».

* يعمل فلويد نوريس معلقا على شؤون المال والاقتصاد في الموقع الإلكتروني.

* خدمة «نيويورك تايمز»