لماذا هذا العبث؟

TT

كل من يتأمل منطقتنا، وخصوصا بعد ما يسمى بالربيع العربي، سيجد نفسه أمام سؤال ملح: لماذا نضيع الوقت، والعمر، والطاقات، والفرص، طوال عقود، ولم نبرح مكاننا، حيث التأخر، بل قل التخلف؟

ولتتضح الصورة دعونا نقارب بين جملة أخبار متفرقة لتتضح لنا الصورة حول واقع منطقتنا، فقبل أسابيع قليلة أعلن السيد راشد الغنوشي أن العلمانية ليست أمرا مخالفا للدين الإسلامي، وبعد تسع سنوات أعلنت الحكومة العراقية أن لا شيء ضد وزير التجارة العراقية في حكومة صدام حسين وأطلقت سراحه، كما أعلنت مصر براءة شقيق قائد «القاعدة» الظواهري، وبعد سنين بالطبع. كما عبر الإخوان المسلمون في مصر، ومثلهم حزب النور السلفي، عن تعازيهم لأقباط مصر بوفاة البابا شنودة، والسؤال هو: لماذا أضعنا عقودا من الفرص، طالما أن أمورا كثيرة في منطقتنا لم تكن صحيحة، أو دقيقة، على مستوى الأفراد، أو الجماعات، أو الدول، واليوم يتم التعامل معها بسهولة؟

لماذا خاض الغنوشي سنين من المعارضة مع النظام التونسي وهو يتحدث اليوم بنفس منطق بورقيبة رحمه الله؟ فماذا لو أن الغنوشي «المتحضر»، قد عمل على بناء تونس بورقيبة منذ عقدين أو أكثر، فكيف كان سيصبح حال تونس اليوم؟ ولماذا تأخر العراق في إطلاق سراح رجل بريء لم توجه إليه التهم أساسا إلا بعد تسع سنوات؟ فماذا لو أن العراقيين جلسوا إلى مصالحة حقيقية، ولم يجرموا بعملية اجتثاث البعث، فكيف كان سيصبح حال العراق اليوم؟ وماذا لو أن الإخوان المسلمين في مصر، ومعهم السلفيون، أعطوا الأقباط حقوقهم، ومرروا عملية كتابة الدستور الجديد وفق مفهوم المواطنة، وليس الدين، وأدركوا أن الوطن للجميع والدين لله، طالما هم يعزون بالبابا شنودة، فكيف كان سيصبح حال مصر الآن؟ أم أن العزاء بالبابا شنودة هو حملة علاقات عامة لا أكثر؟ وماذا لو أن نظام مبارك تعامل بمبدأ أن لا تزر وازرة وزر أخرى في قصة شقيق أيمن الظواهري، فهل كان مبارك سينتهي النهاية التي انتهى إليها؟

هنا قد يقول البعض أن «لو» لن تفيد، وهذه واحدة من مآسي الثقافة العربية، فـ«لو» لا تعني التمني، بقدر ما أنها تعني أخذ العبر، ودراسة الأخطاء. فلو أخذنا العبر لما كررنا الأخطاء، وما كنا خُدعنا، مثلا، بالإخوان المسلمين في قضية السلام مع إسرائيل؛ فهاهم الإخوان يحكمون مصر، ذات العلاقة المستمرة بإسرائيل، وها هو نظام الأسد يجرم بحق السوريين أكثر مما فعل الإسرائيليون بنا! كل ذلك يحدث لأننا لم نقرأ التاريخ الحديث جيدا، ولم نستفد من أخطائنا، ولم نسأل سؤالا واحدا وهو: ما الذي أنجز من أجل الإنسان العربي في منطقتنا؟

فعندما يقول الغنوشي إن البعض، ويقصد السلفيين، سيصلون يوما إلى الوعي والعقلانية مثلما وصل هو الآن بحسب ادعائه، دعونا نسأل أنفسنا: لماذا لا يتصدر الغوغائيون، أو المتهورون، المشهد السياسي، والثقافي، في الغرب، بينما هذا ما يحدث في منطقتنا؟

سؤال بحاجة إلى مزيد من النقاش، لكي نفهم لماذا لدينا حماس وحزب الله والحوثيون والأسد، وغيرهم؟

[email protected]