كيف نجح الأسد في تخويفهم؟

TT

انساقت الآراء، وبعض المواقف، وراء فكرة وضع المجتمع الدولي بين خيارين: الإبقاء على النظام السوري أو الوقوع في مخاطر الحرب الأهلية السورية وتداعياتها، بما في ذلك نشوب حروب إقليمية. ونجحت عملية التخويف في تغيير نظرة بعض الحكومات والقيادات العربية والأجنبية منذ شهر نوفمبر (تشرين الثاني) عندما تراجعت الجامعة العربية عن عزمها طرد النظام السوري من الجامعة، القرار الذي وجد شبه موافقة جماعية من الدول العشرين، مع تحفظ بلدين فقط.

لقد تم الترويج لهذه الكذبة الكبرى، أي أن المحافظة على النظام سيحمي كل سوريا وسيضمن استقرار المنطقة، في حين أن الحقيقة المحتملة هي العكس تماما. خلال السنين العشر الماضية كانت دمشق تلعب دور المخرب، دبرت عمليات اغتيال عشرات من القيادات اللبنانية، وكانت محطة وممرا لمعظم العمليات الإرهابية في العراق التي قتل فيها أكثر من مائتي ألف إنسان، وتحالفت بشكل وثيق مع إيران وجماعات مسلحة خطرة، مثل حزب الله، تسببت في زعزعة المنطقة. فكيف يمكن لغياب سوريا الأسد أن يفضي إلى الفوضى وهو الذي كان مصدر العنف؟

صحيح أن الوضع داخليا كان مستقرا بسيطرة دقيقة على تفاصيل حياة الناس بقوة قوامها 700 ألف شبكة أمنية وعسكرية، وهذا سر الاستقرار، لكن بعد أن كسرت الجرة وتمردت على النظام أكثر من 6 آلاف مدينة وقرية في طول البلاد وعرضها، كيف سيكون إبقاء النظام ضمانة ضد الحرب الأهلية؟ بعد تورط قوات النظام في حرب أهلية ضد معظم مكونات شعبه وأفراده، كيف سيمكن له أن يتعايش مع 25 مليون سوري معظمهم ينظرون إليه كعدو وإلى قواته كقوات احتلال بعد عمليات القتل والاعتقال والإهانات العلنية الواسعة النطاق؟

الذي يعتقد أن دعم الأسد ضرورة لوقف الحرب الأهلية واهم تماما، لأن النظام سيبقى محاصرا، وستنمو في الداخل جماعات متمردة عليه تنقض على النظام وتقاتله بصفة مستمرة لسنوات مقبلة. لنتذكر ما حدث لنظام صدام حسين بعد كسر قواته في عام 1991، فقد بقي واقفا في بغداد لكن معظم البلاد كان في حالة تمرد وفوضى، وصارت السلطة المركزية عاجزة عن إدارة شؤونها. عمليا كان صدام يحكم في النهار وكانت ميليشيات وعصابات تحكم في الليل. لهذا انهار النظام سريعا في عام 2003، حيث دخلت القوات الأميركية بيسر واستولت على كل العراق في بضعة أيام.

إن زعم المدافعين عن النظام السوري أن بقاءه ضمانة لاستقرار المنطقة كذبة كبرى، فهو لم يكن داعما في الماضي ولن يكون في المستقبل. وكذلك الاعتقاد بأن السكوت عليه وهو يقتل شعبه اليوم بحجة الخوف من نشوب حرب أهلية، هي سياسة ستتسبب في حرب أهلية واسعة. وبسبب سياسة التخويف التي يبثها النظام وترددها جماعات في العراق وإيران والسودان ومصر والجزائر، فإن الأسد لا يبدو مكترثا بالحلول والوساطات، بل يمضي في ذروة المواجهات ساعات أمام كومبيوتره في شراء أفلام من الإنترنت. وببقاء النظام سيعتمد أكثر على حلقة إرهاب أوسع تدار من قبل إيران، والرسائل البريدية التي تسربت من صندوق بريده الخاص أيضا تكشف بوضوح كيف أن الإيرانيين يوجهونه، حتى في كيفية كتابة بياناته الصحافية!

إن سقوط الأسد بالتأكيد ستكون له تداعيات مؤلمة، لكنها لا تقارن أبدا بمخاطر بقاء النظام بعد أن ارتكب كل ما ارتكبه من جرائم مروعة. إن نجا فسيكون خطرا أكبر على جيرانه بالدرجة الأولى، لبنان والأردن وكذلك تركيا. سيكون مرتعا للحركات الإرهابية الإقليمية، وستسبح المنطقة في حروب إقليمية من تدبير إيران وإدارة نظام الأسد الذي يملك خبرة هائلة في هذا المجال منذ السبعينات، حيث إنه هو الذي أدار لأربعة عقود الجماعات المسلحة التي وصلت نشاطاتها إلى معظم دول الشرق الأوسط ووصلت إلى أوروبا.

[email protected]