يا زمان العجايب

TT

في وقت من الأوقات كنت جالسا بأمان الله في مقهى ببلدة فرنسية، وإذا بمظاهرة قوامها عشرات النساء المتحمسات تملأ الشارع، وهن يهتفن هتافات صارخة، ولفت نظري أن كل واحدة منهن قد ربطت أو عصبت على رأسها (بالونة) مستطيلة لها دلالتها، وتتقدمهن امرأة (فحلة) تحمل لافتة كتب عليها ما معناه: «ليس هناك في هذه البلدة رجال».

الواقع أنني (استصبت)، وأخذت أتلفت ذات اليمين وذات الشمال إلى الرجال الجالسين بجانبي لكي أتيقن من ردود فعلهم، وتفاجأت بأن أغلبهم كانوا يتبسمون، بل إن بعضهم أخذوا يهزون رؤوسهم وكأنهم موافقون على ما جاء في تلك اللافتة المستفزة، فأخذت أفكر بيني وبين نفسي متسائلا: «لو أن هؤلاء النساء تظاهرن بهذه الهيئة في بلد عربي، فكيف كانت ستصبح ردود فعل الرجال هناك؟!».

والذي ذكرني بتلك المظاهرة (المباركة) هو ما جاء في صحيفتي (الديلي ميل) و(الصنداي تايمز) البريطانيتين، بشأن قيام الشاب البريطاني (جوانا داريل) بالإنجاب، ليصبح (رجلا أما) بعد إنجابه طفلا بصحة جيدة، علما بأنه خضع لعملية جراحية لتهيئة رحمه في وقت سابق.

وسبق لي أن شاهدت المذيعة الشهيرة (أوبرا) في برنامجها التلفزيوني وهي تطبطب على بطن الرجل الأميركي الحامل (توماس بيتي) وهو في شهره السابع، وحسب ما فهمت فإنه ولد في الأصل امرأة، وعندما بلغ العشرين ظل يحقن نفسه بهرمون الذكورة (التستوستيرون) حتى ينبت شعر لحيته ويغلظ صوته ويتحول إلى ذكر كامل، أنجبت له زوجته بعد ذلك طفلا. وفي عام 2002 أزال توماس الثديين والأعضاء الأنثوية الظاهرة واحتفظ بالمهبل والرحم، وبعد أن اكتشف عجز زوجته عن الإنجاب بعد استئصال رحمها، أعاد هو تنشيط رحمه وتوقف عن أخذ هرمون (التستوستيرون) ليصبح حاملا، واشترى الزوجان الحيوانات المنوية من متبرع مجهول، وخضع (بيتي) لعملية التلقيح الصناعي وأنجب طفلا آخر بعد ذلك، وكان طفله الأول يناديه (يا بابا)، أما طفله الثاني فيناديه (يا ماما)، وكان (بيتي) يقول إنه سعيد كل السعادة.

وأكد الدكتور (نصر فريد واصل) مفتي مصر الأسبق قائلا: «إن هذه العمليات تتعارض مع الأخلاق والفطرة وليس الدين فقط»، وأورد الحديث الشريف عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن «المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء»، وقال «أخرجوهم من بيوتكم».

وقال الدكتور (محمد مزروعة)، عميد كلية أصول الدين: «لا نسب للطفل في الإسلام إلا إلى أبيه، لقوله تعالى في الآية الخامسة من سورة «الأحزاب»: «ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم به وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا».

والأنكى من ذلك كله أن هناك في هذه الأيام رجلا إيطاليا يتهيأ لتلقيح نفسه بنفسه، فلديه رحم جاهز، وهو قادر على إفراز الحيوانات المنوية، ليكون بذلك أول إنسان هو الأب والأم لمولود (دفعة واحدة)، ولا شك أن ذلك المولود سوف يحتار، هل يناديه ببابا أم بماما!!

هل تصدقون أنني بعد هذا الاستعراض لهذه النماذج المشوهة والشاذة جعلت أقول: إن الحق كل الحق هو مع تلك النساء الجميلات المتظاهرات عندما أكدن أنه ليس هناك في بلدتهن رجال.

وصدق من قال: «يا زمان العجايب.. وش بقى ما ظهر»!!

[email protected]