الجدل الزائف حول الهجوم على إيران

TT

إنني أتساءل: هل نحن بصفتنا رجال إعلام نترك دون قصد انطباعا بأنه يوجد جدل حقيقي بين الخبراء حول ما إذا كان هناك معنى لتوجيه إسرائيل ضربة عسكرية لإيران هذا العام؟

فالحقيقة أن مثل هذا الجدل غير موجود، أو بالأحرى هو من نوعية الجدل نفسه الدائر حول التغيرات المناخية، حيث ينحاز الخبراء الموثوق بهم انحيازا تاما إلى أحد الجانبين.

وهذا هو ما أخبرني به بعض منهم:

تقول آن ماري سلوتر، أستاذة بجامعة برينستون كانت من كبار المسؤولين في وزارة الخارجية في بداية تولي إدارة الرئيس أوباما: «لا أعرف أي خبير أمني يحبذ توجيه ضربة عسكرية ضد إيران في الوقت الراهن».

ويعلق باتريك لانج، رئيس شؤون الشرق الأوسط سابقا في وكالة استخبارات الدفاع الأميركية: «ما لم تكن منحازا تماما إلى المحافظين الجدد لدرجة أن تتعامى عن الأوضاع الجيوسياسية الموجودة على أرض الواقع، فإنه يوجد إجماع ساحق على أن هذه فكرة غير جيدة».

وتقول ميشيل فلورني، التي تراجعت مؤخرا لتصبح المسؤول الثالث في وزارة الدفاع: «يتفق معظم الخبراء الأمنيين على أنه من السابق لأوانه الذهاب إلى خيار عسكري. نحن في منتصف عقوبات متزايدة على إيران. إيران تتعرض بالفعل لأقسى عقوبات تعرضت لها على الإطلاق، ونحن الآن نضغط لزيادة العقوبات التي ستطول البنك المركزي الإيراني، وكذلك فرض عقوبات على منتجاتهم النفطية، إلخ».

وتضيف فلورني: «إذن فالوضع سيئ بالنسبة لهم، وسوف يسوء أكثر قريبا. وهناك إجماع ساحق على أن نمنح بعض الوقت حتى يحدث هذا».

ورغم التحفز الشديد لدى المسؤولين الأميركيين تجاه برنامج إيران النووي، فإن الخوف من أن تلجأ إيران إلى استعمال الأسلحة النووية ضد إسرائيل أو أي دولة أخرى ليس إلى هذه الدرجة، فقد سبق أن قامت إيران علانية بتطوير أسلحة كيماوية للرد على الهجمات الكيماوية العراقية أثناء الحرب العراقية - الإيرانية، وكانت تبدي تحفظا كبيرا في استعمالها، بل إن الخوف الأكبر من أن إيران إذا قامت باختبار وتدشين أسلحة نووية، فإن بلدانا أخرى ستتبعها؛ ومن بينها المملكة العربية السعودية وتركيا ومصر، مما سيطلق جولة جديدة من انتشار الأسلحة النووية.

ويقدم المسؤولون والخبراء العسكريون عددا من الملاحظات بخصوص الأسباب التي تجعل من توجيه ضربة عسكرية ضد إيران في أي وقت قريب، فكرة سيئة.

أولا: إن هذا لن يؤخر البرنامج النووي الإيراني سوى لفترة تتراوح بين سنة وثلاث سنوات، وسوف يجعلها تمضي في برنامجها بعد ذلك بمزيد من السرية، كما ستحظى بتأييد شعبي أكبر من أي وقت مضى.

ثانيا: صحيح أنها ستكون ضربة منفردة، ولكنها ستتطلب شن غارات على مدار أيام متواصلة لمهاجمة مواقع كثيرة، وسيكون من ضمن الأهداف تصفية العلماء القائمين على تشغيل البرنامج، وبالتالي، فسوف يكون هناك ضحايا من المدنيين. ويوما بعد يوم، سيزداد الغضب في العالم الإسلامي وجميع أنحاء العالم ضد إسرائيل؛ وأميركا أيضا، وربما يتفكك التحالف الذي يضغط على إيران عن طريق العقوبات.

ثالثا: قد يؤدي ذلك إلى نشوب حرب إقليمية في الشرق الأوسط، تجر إليها الولايات المتحدة، ومن الممكن أن ترعى إيران شن هجمات على أهداف أميركية في مختلف أنحاء العالم، كما يمكن أن تستعين بوكلاء لتصعيد الهجمات على القوات الأميركية الموجودة في أفغانستان.

رابعا: من الممكن أن تتوقف إمدادات النفط الآتية عبر الخليج العربي، مما سيؤدي إلى ارتفاع هائل في أسعار النفط والغاز، ويحدث ضررا كبيرا بالاقتصاد العالمي.

خامسا: بالفعل نجحت العقوبات والطرق الخفية مثل فيروس الكومبيوتر «ستوكس نت» في إبطاء التقدم الذي تحققه إيران، وسوف يؤدي تشديد العقوبات والاستمرار في التخريب في الخفاء إلى تعطيل البرنامج بأقل قدر من المخاطرة. وربما يكون كل ما أقوله هنا خطأ، حيث سبق أن مر هجوم إسرائيل على مفاعل «أوزيراك» العراقي سنة 1981 وكذلك هجومها سنة 2007 على مشروع المفاعل النووي السوري، بمنتهى السلاسة، دون أن تتعرض لأي أعمال انتقامية، ونجحت هذه الغارات في تعطيل البرنامج النووي لهذين البلدين بصورة أكبر بكثير مما توقع المشككون.

غير أن هناك ما يدعو إلى الاعتقاد بأن حالة إيران مختلفة، مثل أن برنامجها النووي منتشر ومؤمن إلى حد بعيد. وعلى وجه العموم، فإن الحرب بطبيعتها لا يمكن التنبؤ بها، وإسرائيل غالبا ما تتصرف بقصر نظر مريع في التدخلات التي تقوم بها؛ فقد تحول غزوها للبنان سنة 1982 إلى ورطة أدت إلى ظهور حزب الله، بينما تسبب دعمها الفعلي لحماس في غزة في أيامها الأولى في الإضرار بالجميع (ما عدا إيران).

ولنتذكر أيضا أن تحمس رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لدق طبول الحرب ربما يقوي موقف الصقور الإيرانيين، حيث تقول سلوتر: «إن التهديد المستمر بتوجيه ضربة عسكرية يحتمل أن يقنعهم بالمضي قدما بقدر ما يحتمل أن يردعهم».

إن احتمال هجوم إسرائيل على المواقع النووية الإيرانية من عدمه يعتبر من أهم الأسئلة لهذا العام، ويبدو أن العالمين ببواطن الأمور يرون أن الاحتمالات متساوية. ونحن لا نعلم إن كان الاقتصاد سيتضرر أو إن كانت الحرب ستندلع، لكن أي أحد يبدو واثقا مما سيحدث، فهو أحمق.

إذن، ونحن نسمع الحديث عن عمل عسكري ضد إيران، لنكن واضحين في أمر واحد؛ وهو أنه باستثناء مساعدي نتنياهو وشرذمة من الطيور الجارحة، فإن جميع الخبراء تقريبا يرون أن توجيه ضربة عسكرية في هذا التوقيت ستكون فكرة سيئة لها عواقب كارثية.. وهذا ليس جدلا، بل هو إجماع.

* خدمة «نيويورك تايمز»