حتى لا يتحول لقاء إسطنبول إلى مزحة الأول من نيسان

TT

في الوقت الذي كان فيه رجب طيب أردوغان يبحث تفاصيل الأزمة السورية مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، في سيول، على هامش أعمال مؤتمر التسلح النووي، كان كوفي أنان، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، يناقش الملف ذاته مع القيادة الروسية في موسكو. وعلى الرغم من الإعلان عن تطابق كامل في وجهات النظر، فإن التصريحات والمواقف الصادرة في أعقاب هذه اللقاءات لم تكن مشجعة ولم تحمل أي بوادر أمل باقتراب نهاية معاناة الشعب السوري، هذا إذا لم نقل إن ما سمعناه وقرأناه على هامش هذه الاجتماعات بين قيادات تقدم نفسها على أنها اللاعب الأساسي في القضية السورية يحمل المزيد من الغموض والارتباك والسير في المجهول.

لقاء سيول تحدث عن تقديم المساعدات الإنسانية والطبية واستبعاد تقديم المساعدات العسكرية للمعارضة. عسكرة المعارضة ستعقد المسألة أكثر فأكثر، كما يقولون، لكن الحلول التي يطرحونها ويناقشونها لا توقف عسكر النظام عن استخدام قوته النارية ضد الأبرياء والعزل. هم يقولون إنهم لن يقفوا متفرجين أمام العنف المتزايد في المدن السورية لكنهم يقولون أيضا إن نافذة الدبلوماسية والحوار مع النظام السوري لم تغلق، ونحن نريد أن نعرف؛ كيف سينجحون في دمج المسألتين وتقديم الحل الذي يرضي جميع الأطراف في الوقت نفسه؟!

وزير الخارجية التركي داود أوغلو يرى أن بيان مجلس الأمن ينبغي أن لا يكون بمثابة الفرصة الجديدة التي تُقدم للنظام السوري، وأن خطة أنان باتجاه الأزمة السورية ينبغي أن تحظى بالتأييد القوي والعملي في لقاء إسطنبول، لكن البعض الآخر يحذر من أن تركيا ستترك وحيدة في هذا اللقاء الذي تنظمه محاولة جمع الفرنسيين والروس والصينيين جنبا إلى جنب مع القيادات العربية والغربية.

لقاء إسطنبول ينبغي أن يقر آلية تنفيذ بيان مجلس الأمن الأخير، وتوجيه رسالة دعم قوية للمعارضة السورية، وتحميل الدول المساندة للنظام مسؤولية استمرار إراقة الدماء. وأنقرة تتحمل مسؤولية تحقيق الكثير من ذلك طالما أنها دعت وقبلت أن تتولى إدارة وتنظيم اجتماع دولي من هذا النوع. فما تريده وتحتاج إليه المعارضة السورية في هذه الآونة أكثر من بيانات التضامن مع الشعب السوري والتقاط المزيد من الصور التذكارية.

أولويات تركيا ستكون بعد هذه الساعة أكثر من قطع العلاقات الدبلوماسية، واستدعاء السفراء، وفرض المزيد من العقوبات على رجال النظام، والتلويح بأوراق ضغط اقتصادي وتجاري، فهي تعرف أيضا أن إنشاء المزيد من المخيمات والاستعداد لاستقبال لاجئين سوريين جدد لن يطمئنا المراهنين على دورها وقدراتها.

نقطة البداية في إسطنبول، وحتى لا يتحول اللقاء إلى مؤتمر دعم النظام في دمشق من دون أن يقال ذلك، لا بد أن تكون بإقرار مطلب المجلس الوطني السوري بالاعتراف به كممثل شرعي ووحيد للمعارضة السورية، ثم توفير الغطاء اللازم لمساعدته على تحقيق برامجه واستراتيجياته في الصمود والمواجهة بعدما قطعت المعارضة شوطا كبيرا على طريق توحيد صفوفها وكلمتها. ونجاح مؤتمر إسطنبول وتحوله إلى فريق عمل حقيقي يقود عملية إنقاذ الشعب السوري مما هو فيه فرصة للدبلوماسية التركية التي تراجعت في الأشهر الأخيرة، بعدما قطعت الطريق على شعار تصفير المشكلات.

أنقرة ستتحرك حتما باتجاه المطالبة بإقرار خطة دولية مشتركة بأبعاد إنسانية وسياسية وقانونية تتعامل بجدية وسرعة مع مطالب المراهنين عليها منذ أشهر، والخيارات تبقى دائما باتجاه تحريك مطلب المنطقة العازلة أو الممرات الآمنة، حتى ولو كان إقرار خطة تحرك من هذا النوع مكلفة وخطرة. وهي لن تسمح لبعض الساخرين بأن يقولوا لها في الثاني من أبريل (نيسان)، بعد انتهاء أعمال المؤتمر، إن تقديم موعده إلى الأول من أبريل أريد منه أن يتحول إلى مزحة ذلك اليوم مع الشعب السوري، الذي سيتابع بكل دقة ما سيقال ويُقر هناك.

الثقة ستتراجع بين أنقرة ودول الإقليم، إذا لم ينجح لقاء إسطنبول في إقرار مشروع تحرك سريع ومؤثر ينتظره الشعب السوري منذ أشهر طويلة، والبعض سيبدأ عندها بترديد عبارة أن أنقرة نجحت في حماية مصالحها مع موسكو وطهران وبكين وبغداد، بعدما نجحت قبل ذلك في تقديم نفسها كمركز تجمع وانطلاق للمعارضة السورية حامية لعبة التوازنات والمصالح. أنقرة لن يكون بمقدورها بعد الآن حماية مصالحها مع عواصم تساند النظام في سوريا، وطمأنة المعارضة بأنها ستصل إلى ما تريد في الوقت نفسه.

إذا لم يكن لقاء إسطنبول بحجم الرهانات والتوقعات فمن الأفضل تأجيله أو إلغاؤه، فلا أحد يريد قراءة بيانات تضامن ودعم وإدانة أكثر مما شهدناه حتى الآن.