المسلمون في الغرب والحرب على الإرهاب

TT

الإسلام السياسي، سلفية سمي، أو أصولية، أو جهادية، أو إخوانية، أو «قاعدة».. قفز مؤخرا عنوانا رئيسيا في وسائل الإعلام الغربية، لا بسبب فوز الأحزاب السياسية الإسلامية في انتخابات مصر وتونس، التي تلت الربيع العربي، فحسب، بل أيضا بعد إقدام شاب فرنسي مسلم على قتل ثلاثة جنود فرنسيين وتلميذات يهوديات أمام مدرستهن، رافعا شعارات سياسية عقائدية.

أن يقدم إنسان مهووس في الغرب أو أي مكان في العالم على ارتكاب جريمة فظيعة على مدنيين وأطفال – كما حدث في فرنسا منذ أسبوعين أو في النرويج منذ عامين -ليس بظاهرة جديدة. وقد استنكرها وشجبها الرأي العام الغربي، لم يتردد ممثلو المسلمين العائشين في فرنسا والغرب، في إدانة جريمة «محمد مراح»، والتأكيد على أن الإسلام، نصا وروحا وعقيدة، يحرم هذا الجنوح الإجرامي. ولكن المسألة لا تتوقف عند حدود هذه الجريمة البشعة، بل تمتد إلى الوجود الإسلامي في فرنسا والغرب ومائة وخمسين دولة «غير ذات أغلبية مسلمة»، في العالم، حيث يتعايش عشرات بل مئات ملايين المسلمين، مع أبناء تلك البلاد، من أتباع ديانات أخرى.

لقد تعايش أبناء الديانات المختلفة في سلام ووئام طيلة قرون، سواء في ظل الحكم الإسلامي العربي أو السلطنة - الخلافة العثمانية - أو في ظل أنظمة الحكم الديمقراطية المدنية التي حكمت في النصف الثاني من القرن العشرين. وكادت أسباب العداء بين الغرب والشعوب العربية والإسلامية تتقلص بعد تحرر هذه الشعوب من الاستعمار الغربي. إلا أن إقامة إسرائيل في قلب العالم العربي من جهة، وفشل الأنظمة التي حكمت معظم الدول العربية في الرد على هذا التحدي الإسرائيلي، وتوفير السلام وفرص العمل لأبنائها من جهة أخرى، أنعشت نزعة العداء القديم وشكلت الرافعة التي دفعت بالحركات والأحزاب السياسية الإسلامية إلى مقدمة الصفوف، وربما غدا إلى الحكم. يضاف إلى ذلك، نشوء جيل جديد من المسلمين في الغرب، يشعر بالاغتراب عن مجتمعاته، ويتطلع إلى الدين كمنقذ له من ضياعه الفكري والنفسي. وقد نجحت الحركات الإسلامية المتطرفة في تحويل بعض أفراده الضائعين أو المهمشين، إلى جهاديين أو إرهابيين.

لقد حمت الدول الغربية - ولا سيما الولايات المتحدة - الحركات السياسية الإسلامية، بل ودعمتها في أفغانستان وخارجها، في حقبة الحرب الباردة، إذ كانت تعتبر الإسلام درعا بوجه المد الشيوعي في آسيا وأفريقيا والعالم العربي. ولكن الأمور تغيرت كثيرا بعد 11 سبتمبر (أيلول) 2001، و«إعلان الحرب على الإرهاب» (والمقصود هو الإرهاب الإسلامي).. فكان احتلال أفغانستان والعراق الذي أدخل النزاع التاريخي بين الشرق والغرب، في حقبة جديدة. وهي حقبة تردد الغرب خلالها في الاختيار بين دعمه للأنظمة الحاكمة السلطوية المناهضة للحركات الإسلامية السياسية، والمؤمنة لمصالحه، وبين الرهان على الديمقراطية التي يرفع شعاراتها ويعتقد أنها تخدم مصالحه والسلام، على المدى البعيد.

وكان ما سمي بـ«الربيع العربي» الذي يجمع المراقبون على القول بأنه سيحمل الإسلاميين إلى الحكم في أكثرية الدول العربية وربما الإسلامية. وعلى الرغم من ترحيب الغرب بهذه الموجة الديمقراطية التي تغمر العالم العربي، فإن أصواتا كثيرة فيه باتت تحذر من عواقب وصول الإسلاميين إلى الحكم، وانعكاساته على المصالح الغربية، وبشكل خاص على تفكير ومواقف المسلمين المقيمين في الغرب.

بطبيعة الحال لا شيء يمنع الإسلاميين العرب من أن يحكموا ديمقراطيا، ولا يعلنوا الحرب على الغرب وإسرائيل، كما تفعل الجمهورية الإيرانية الإسلامية، مثلا. كما أن عدد الإسلاميين «الجهاديين» أو «المتطرفين» في الغرب - وفقا للمعلومات الرسمية - لا يتجاوز المئات بين عشرات الملايين من المسلمين القانعين بالتعايش والمستفيدين - رغم كل شيء - من حسنات وفوائد الحياة في المجتمعات الغربية. ولكن المشكلة تكمن في أن الحركات والجماعات السياسية المتطرفة، ولا سيما الدينية، هي الأكثر نشاطا وتحركا، وقد تصبح الأوفر إمكانية وتأثيرا إذا حكمت غدا في عدة دول عربية. والمشكلة هي أيضا في أن أكثرية أبناء الدول الإسلامية والعربية هم في حالة تخلف اقتصادي، يغذي سلبيتهم وتحميلهم للغرب مسؤولية هذا التخلف. ولا ننسى إسرائيل التي تشكل الشوكة الدامية في العلاقات بين الغرب والعالمين العربي والإسلامي.

لقد اتخذت الحكومة الفرنسية عدة تدابير قانونية وأمنية للتضييق على الناشطين الإسلامويين على أراضيها. ومن المنتظر أن تتبعها دول أوروبية أخرى. ولا أحد يستطيع التكهن عما ستؤول إليه الحرب على الإرهاب بعد انسحاب القوات الغربية من أفغانستان، ولا ما ستندفع نحوه الدول العربية والإسلامية التي قد تحكمها أحزاب إسلامية في علاقاتها بالغرب أو في مقاومتها للتحدي الإسرائيلي. إنما الأكيد هو أن الدول الغربية، ولا سيما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ستجد نفسها مضطرة إلى إعادة النظر في استراتيجيتها في العالمين العربي والإسلامي، بعد صعود الإسلاميين إلى الحكم وتفشي العنف والإرهاب على أراضيها على يد خلايا «قاعدية» محلية. فهل تكون المرحلة القادمة هي مرحلة تصعيد للمواجهة أو مرحلة التسليم بالأمر الواقع والتفاهم مع الأنظمة الحاكمة الجديدة في العالمين الإسلامي والعربي؟.. سؤال قد يطول الوقت قبل أن يجاب عنه. وفي انتظار ألوان الفجر الجديد في العالمين العربي والإسلامي، تبدو أخطار الصدام متقدمة على فرص اللقاء بين الإسلاميين العرب والديمقراطيات الغربية.