نجحنا في إسطنبول ولكن..

TT

مؤتمر إسطنبول الدولي المخصص لدعم الشعب السوري قد يكون منح كوفي أنان، المبعوث الأممي - العربي، فرصة جديدة في الموضوع السوري لإنقاذ مشروعه، لكنه رفض تسليمه سلة البيض وتركه يتجول بها كما يشاء في دمشق.

المؤتمر عزز من موقع وقوة ودور المجلس الوطني، وشرعن حق السوريين في الدفاع عن أنفسهم، وكرر أن الوقت والفرص يُهدران، وأن البديل عن مجلس الأمن والفيتو الروسي - الصيني سيكون خيار المجتمع الدولي لإلزام النظام بالتنحي.

غياب الممرات الآمنة والمناطق العازلة عن البيان الختامي وازنه الإعلان عن حق الشعب السوري في الدفاع عن نفسه والتلويح بالبند السابع في مجلس الأمن وتحريك محكمة الجزاء الدولية ضد أركان النظام السوري.

قمة بغداد بذلت كل جهدها لحماية ما تبقى من خيوط رفيعة بين المنظمة العربية والكثير من دولها التي جلست تستمع إلى نوري المالكي وهو يحدثها عن الحرب الإقليمية بالإنابة في سوريا التي دفعته لرفض المشاركة في مؤتمر إسطنبول وهو يستغرب مسألة الدعوة لتسليح الثوار، التي كان يطالب بها هو في زمن صدام حسين، لكن وقفة دول الخليج الأخيرة في الحوار مع وزيرة الخارجية الأميركية، أو خلال مؤتمر إسطنبول، عكست حقيقة أن الخيار الأفضل سيكون في نهاية الأمر الرجوع إلى دعم بادرة الدول العربية التي تقودها السعودية وقطر باتجاه الحل في سوريا.

أما القرارات والتدابير التركية المتخذة قبل مؤتمر إسطنبول، ففي مقدمتها:

- استدعاء السفير من دمشق، وإغلاق السفارة، والطلب من المواطنين الأتراك عدم التوجه إلى سوريا إلا في حالات الضرورة.

- إرسال قائد القوات البرية في جولة تفقدية عسكرية للمناطق الحدودية المشتركة مع سوريا في رسالة متعددة الأبعاد والجوانب.

- وقف رحلات الخطوط الجوية التركية بين تركيا والمدن السورية.

- مطالبة السلطات السورية بالكشف الفوري عن أسباب التعرض لسائقي الشاحنات التركية واعتقال الفاعلين.

- الإعلان عن الاستعداد لاستقبال الآلاف من اللاجئين السوريين في مخيمات جديدة تجهز لهذا الغرض، ومسك الختام مع أردوغان، الذي كرر أن بلاده لن تدعم نظاما يقمع شعبه من أجل البقاء في السلطة، مما عكس حقيقة أن حكومة «العدالة والتنمية» لن تقبل أن يكون مؤتمر إسطنبول مجرد لقاء رفع عتب أو تكرار ما ورد في تونس وأنها سترد بسرعة البرق على مقولة إن محاولات إسقاط الدولة السورية قد فشلت، مذكرة بأن إسقاط النظام لا علاقة له باستهداف وحدة سوريا وبنيتها الاجتماعية والعرقية والدينية.

في مؤتمر إسطنبول كرر الأتراك أنهم لن يتخلوا عن تعهداتهم المقدمة وعمَّن وصفهم وزير الخارجية داود أوغلو بهؤلاء الشجعان الذين يقاومون. لا، بل إن مشاركة أردوغان في قمة سيول النووية على رأس وفد رفيع وتوقيعه البيان الختامي للقمة، الذي لم يعجب طهران كثيرا، واللقاء المطول الذي جمعه بالرئيس الأميركي أوباما، والاتفاقيات التجارية التي وقعها مع القيادات الكورية، والترحيب الأميركي بخفض حجم استيرادات الطاقة التركية من إيران، تعكس هي الأخرى حقيقة انزعاج طهران من السلوك التركي الجديد هذا. وربما مناورة اللحظة الأخيرة باتجاه الاستعداد لتقاسم الخبرات النووية الإيرانية مع أنقرة هي محاولة لقطع الطريق على احتمال إرجاء لقاء الوساطة التركية بين إيران والغرب المرتقب في منتصف الشهر الحالي؛ حيث سيكون السبب الأول لهذا الإرجاء تباعد المواقف بين أنقرة وطهران بشأن الأزمة السورية التي لن يمكن تحييدها بمثل هذه السهولة عن مسار العلاقات التركية - الإيرانية.

لا أحد يريد انتظار نتائج الانتخابات الفرنسية أو الأميركية للحديث عن مستقبل الأزمة السورية وربما الإسراع في الإعلان عن موعد مؤتمر باريس المرتقب لتدارس مرحلة ما بعد التلاعب بمشروع أنان ووساطته وجهوده التي سيوصلها النظام السوري إلى طريق مسدود، ومناقشة ما وصفه أردوغان بالإجراءات الدولية القوية هي أهم ما يجنب الشعب السوري المزيد من الضحايا والمعاناة.

لو كان النظام السوري جادا في التعامل بحسن نية مع بادرة أنان لما كان قد أعلن رفضه المسبق لمؤتمر إسطنبول على هذا النحو وتوجيه الاتهامات للمشاركين فيه والرد من خلال التصعيد ضد المدنيين والأبرياء في المدن السورية على مرأى ومسمع من المجتمعين هناك.

دمشق تريد إفشال بادرة أنان لترك المجتمع الدولي المنقسم بسببها أمام مواجهة تمني النفس بها؛ فالرهان إذن هو ليس على إمكانية تغيير النظام مواقفه، بل على إقناع موسكو وبكين بالتراجع عن دعمهما اللامشروط لهذا النظام والضغط على واشنطن أيضا لتكون أكثر وضوحا وحسما في مواقفها حتى لا تتهم بالتواطؤ مع الروس والصينيين والإيرانيين بشكل أو بآخر في البحث عن نقاط تقارب تدفعهم لإطالة عمر الأزمة لصالح توسيع رقعة نفوذهم في المنطقة.

حكومة أردوغان نجحت في لقاء إسطنبول بحشد وتوحيد المواقف حول خارطة طريق عاجلة وملحة، والقرارات تجاوزت، وبكثير، سقف طروحات لقاء تونس، وهي مهدت ليكون الحسم في باريس إذا أراد ساركوزي أن يسترد الكثير مما فقده إقليميا في السنوات الأخيرة.