النخبة المدمرة!

TT

إذا سألتني من المسؤول عن حالة التوتر والفوضى، والقلق، والانفلات التي تحياها مصر منذ أكثر من عام سوف أقول لك بلا تردد إنها «النخبة»!

النخبة التي تعبر عن ضمير الأمة، من ساسة ومثقفين وإعلاميين وشخصيات عامة هي أساس البلاء والشقاء الذي تعيشه البلاد ويعاني منه العباد في مصر.

النخبة التي يتعين عليها أن تكون قاطرة النهضة والإصلاح، وطليعة التنوير والانفتاح، والعقل الرشيد القادر على تشخيص الداء ووصف الدواء دخلت في غرفة الإنعاش بعد أن تم إجراء جراحة لضميرها العام.

نخبة بلا ضمير، تعتبر بلا شك كارثة الكوارث!

استسلمت هذه النخبة إلى معارك تافهة صغيرة قائمة على منطق وراثة العهد السابق، والصراع على كراسيه الفارغة.

وبدلا من السعي المشروع للتنافس على صياغة العهد الجديد، بدأت عمليات التصفية الفكرية، والاغتيال المعنوي للآخرين إلى الحد الذي تحولت فيه شاشات الفضائيات، وصفحات الجرائد اليومية إلى ساحة دموية لتصفية الحسابات والقصاص السياسي من الماضي والحاضر ومصادرة المستقبل!

ويستطيع أي مراقب محايد أن يستقرئ مستقبل أي نظام سياسي لقياس عدة مؤشرات خاصة بنخبة هذا المجتمع مثل: إصداراته الفكرية، مساهماته في الفكر العالمي، اندماجه مع مؤسسات الإصلاح والتطوير السياسي، دفاعه عن حقوق الإنسان، إعلائه لقيمة استقلال القضاء، دفاعه عن مبدأ المواطنة المتساوية، محاربته لأفكار التمييز والعنصرية، جهوده لإقرار مبادئ العدالة الاجتماعية.

هذه المؤشرات تسير بشكل عكسي في الحالة المصرية، وإذا تم اللجوء إليها فإنه يكون من قبيل استدرار عطف الجماهير ودغدغة المشاعر، وابتزاز الشارع.

والحالة التي تعيشها مصر الآن، هي حالة «سيولة» سياسية، تتأرجح فيها المشاعر الدينية وتختلط بالمواقف السياسية، والمصالح الانتهازية.

والذي يعود بالتاريخ إلى النخبة المصرية في العشرينات سوف يجد إنجازات بشرية وإبداعية أثرت في تاريخ البلاد، تلك الحقبة أنجبت محمد عبد الوهاب وأم كلثوم وليلى مراد وأسمهان وفريد الأطرش في الغناء، وأنجبت سلامة موسى وطه حسين وعباس العقاد والمازني وأحمد هيكل في الكتابة، وطلعت باشا حرب و43 شركة وطنية وجامعة فؤاد الأول ودستور 1923، وظهور حزب الوفد وجماعة الإخوان والحركة الاشتراكية.

الآن ما الذي أنجبته طليعة اليوم ونخبة اليأس والفوضى؟