هل انتهى حقا شهر العسل التركي ـ الإيراني؟

TT

لم تكد تمر سوى عدة أيام فقط على عودة رجب طيب أردوغان من زيارته الصعبة إلى العاصمة الإيرانية التي لم تحقق أي تقدم في النقاش حول الكثير من الملفات الشائكة والمعقدة المهددة لمسار العلاقات بين تركيا وإيران - حتى تحركت القيادات السياسية والدينية والعسكرية في طهران لشن حملتها المنظمة والموزعة الأدوار ضد تركيا وسياساتها ومواقفها حيال الكثير من القضايا الإقليمية والدولية.

حتى ولو لم تقع مفاجأة آخر لحظة التي تقود إلى إلغاء لقاء إسطنبول المرتقب في الملف النووي الإيراني، فلن يكون سهلا بعد كل هذا الأخذ والرد بين طهران وأنقرة أن تحقق الوساطة التركية أي تقدم يذكر، فالوسيط أردوغان يقول إن طهران ليست صادقة في رغبة التفاوض مع الغرب.

منذ أكثر من أسبوع والقيادات الإيرانية على أعلى المستويات تحاول أن تستفز رئيس الحكومة التركية من خلال شن حرب نفسية مركزة عليه، توجتها بالدعوة إلى تغيير مكان الوساطة، ونقله إلى سوريا أو العراق أو لبنان بدلا من تركيا، التي قدمت منذ سنوات خدمات كثيرة في السر والعلن للإيرانيين وما زالت متمسكة حتى الساعة بموقفها المساند لإيران في حقها الشرعي بالاستفادة من التكنولوجيا النووية مثل غيرها من الدول.

الأنباء الواردة من طهران تقول إنه حتى ولو تحققت نتائج إيجابية في اجتماع إسطنبول المرتقب، فإن بغداد ستكون المكان الجديد الذي ستقترحه لاستمرار هذه المفاوضات مع مجموعة «خمسة زائد واحد»، مما دفع بأنقرة للرد بأن المهم هو ليس مكان تنظيم هذه الاجتماعات، بل الخروج بنتائج إيجابية لأن المرحلة التي ستعقب فشل محاولات الحوار ستكون أصعب على الجميع في المنطقة.

طهران منزعجة وغاضبة وهي بدأت تنتقل في أسلوبها مع تركيا من التحذير إلى التهديد، ملوحة بأكثر من سبب لذلك. هناك أولا قرار تركيا قبول نشر المظلات الصاروخية على حدودها مع إيران باسم قوات حلف شمال الأطلسي، والذي وصفته طهران بالتهديد الخطير للتوازنات العسكرية والأمنية في الإقليم. الموقف التركي المساند للثوار في سوريا وتمسك الأتراك بضرورة تغيير إيران نفسها لموقفها من نظام الرئيس الأسد، ترى فيه طهران محاولة تركية مستمرة لإحراجها والضغط عليها سوريا لحرمانها من تحالف استراتيجي تعطيه الأولوية الدائمة في سياساتها الإقليمية. القيادة الإيرانية تردد أيضا أن أنقرة، ومن خلال قبولها وتأييدها لبيان قمة سيول الأخيرة، تكون قد حسمت موقفها ولم تعد مؤهلة لتكون الوسيط المناسب بين الطرفين. أردوغان الذي يقال إنه نقل رسائل أميركية مباشرة بعد لقائه المطول مع أوباما لم يستمع إلى ردود إيرانية إيجابية على العروض التي نقلها، هذا إذا لم نشأ القول إن الدور التركي هذا أزعج الإيرانيين الذين بدأوا يشعرون بأنهم يفقدون يوما بعد آخر شريكا استراتيجيا قويا مثل تركيا. ترحيب وزيرة الخارجية الأميركية كلينتون بقرار تخفيض الاعتماد التركي على الغاز الإيراني سبب آخر لإغضاب الإيرانيين حتما. قبل أيام وبينما كان الناطق الرسمي باسم الخارجية الإيرانية يدعو للتمييز بين تصريحات ومواقف شخصية لقيادات إيرانية وأخرى رسمية ملزمة للحكومة والدولة، كانت قيادات نافذة في إيران مثل محسن رضائي وعلي لاريجاني وعلاء الدين بروجردي تلتقي كلها عند مهاجمة الدور التركي الإقليمي، مما دفع الرئيس التركي عبد الله غل للدخول بقوة على خط المواجهة في كلمة ألقاها أمام ضباط الكلية الحربية في أنقرة، معلنا أن المنطقة أمام مأزق الحرب الإقليمية بسبب الملف النووي الإيراني وأنه من الصعب أن تظل تركيا بعيدة عن توتر من هذا النوع.

تركيا، كتّاب أتراك بمختلف ميولهم بدأوا يبرزون إلى العلن الجوانب السلبية والأحداث التي تركز على الخلافات والهجمات التي شنتها إيران عبر التاريخ ضد الأتراك مستغلة حروبهم مع الأوروبيين، وأن طهران لم تفرط في علاقاتها الجيدة مع أرمينيا ولو للحظة رغم معرفتها بحجم الأزمة التي تعيشها مناطق قره باغ الأذربيجانية. وأنها تتجاهل ما يجري في حمص اليوم تماما كما فعلت في مطلع الثمانينات في موضوع تدمير حلب فوق رؤوس سكانها. آخرون يتحدثون عن دور إيران في التمركز المذهبي المتزايد الذي بدأ يتفاعل وينتشر في أكثر من بلد عربي وإسلامي والذي ستكون له ارتدادات تختلف عن غيرها من المرات السابقة.

قد يكون من الصعب منذ الآن التحدث عن تراجع كبير في العلاقات بين الدولتين اللتين تجمعهما الكثير من المصالح المشتركة، وقد يكون من المبكر جدا القول إن أردوغان خسر شراكته مع إيران التي لعب ورقتها باحتراف وراهن عليها في أكثر من مكان. لكن صورة الوضع القائم اليوم تحمل معها التساؤل حول ما إذا كان شهر العسل الطويل هذا في مسار العلاقات التركية - الإيرانية التي شهدت دائما رعودا وعواصف لم تتحول إلا نادرا لأمطار وسيول جارفة، في طريقه إلى التراجع والزوال؟

هل ينجح البلدان في حرمان النظام السوري من تحقيق غايته الأولى في هذه الآونة، تفجير كلي لهذه العلاقات وتركها تحت رحمة الأزمة السورية، خصوصا أن حماية هذه العلاقات تحتاج إلى فرص حقيقية قوية وعاجلة تحول دون انقطاع خطوط التواصل المهددة أمام نهج وأسلوب التصعيد والتوتر المتصاعد؟

ويكفي أن نذكر سببا أخيرا يؤكد الأيام الصعبة التي تنتظر البلدين، فطهران متمسكة بوصف مؤتمر أصدقاء الشعب السوري في إسطنبول بمؤتمر أصدقاء إسرائيل، وأنقرة لا تتردد في الكشف يوميا عن شحنات أسلحة يتم العثور وهي في طريقها لمساندة النظام في سوريا.