الجمود صديق الغباء!

TT

هناك فهم مغلوط لمبدأ «الثبات في المواقف والأفكار».

هناك مفهوم لبعض الساسة والنخبة في عالمنا العربي يفخر بأنه طوال نصف قرن لم يغير رأيه حول بعض المواقف!

ويقول الدكتور أحمد عكاشة، الرئيس السابق للاتحاد العالمي للطب النفسي أحد أهم علماء النفس العرب: «إن الذي لا يغير أفكاره هو - عفوا - إنسان غبي، وإن الإنسان الذي يتفاعل مع تغييرات الواقع الملموس هو إنسان ذكي».

نحن نخلط بين المبادئ والأفكار!

مثلا قد يؤمن الإنسان منا بالحق والخير والجمال والتسامح، وقد يؤمن في مرحلة من حياته بالاشتراكية أو الرأسمالية، والمجموعة الأولى هي مبادئ أخلاقية وإنسانية، أما الاشتراكية أو الرأسمالية فهي أفكار سياسية.

المبادئ هي أساس أو أعمدة نؤمن عليها حياتنا، أما السياسة فهي قوالب متغيرة وفرضيات قد يثبت الزمن والتجارب العملية فسادها، أو فشلها في تحويل المبادئ الإنسانية إلى واقع ملموس.

ومنذ عدة أيام احتفل أنصار حزب البعث في العراق وسوريا والأردن واليمن والسودان بالعيد رقم 65 لتأسيسه، والمذهل أنه حتى تاريخه لم يحقق هذا الحزب أيا من أفكاره في الوحدة أو الاشتراكية أو الحرية، ولم تنجح تجاربه على مدار كل هذه السنوات في دول متعددة لتحقيق سعادة ورفاهية وأمان الإنسان العربي.

والمذهل أنه لا تزال عبادة «وثنية الأفكار» البعثية والطواف حول كعبتها في دمشق وبغداد، رغم كل الكوارث التي تسببت فيها هذه المبادئ.

فكر المراجعة والنقد الذاتي هو الذي جعل الاتحاد السوفياتي القديم على يد غورباتشوف يصل إلى إعادة بناء الدولة والنظام والمجتمع على أسس مغايرة تماما.

هذا الفكر أيضا هو الذي أدى إلى ميلاد أنظمة متقدمة في البرازيل وغانا وتركيا والمجر والتشيك وبولندا ورومانيا وبيرو.

فكر المراجعة هو الذي دعا الزعيم العملاق نيلسون مانديلا إلى طرح رؤيته في مبدأ العدالة الانتقالية لإقامة مجتمع غير ثأري بين البيض والسود في جنوب أفريقيا.

كل شيء قابل للمراجعة والانتقاد إلا الكتب السماوية، هي وحدها التي تكتسب صفة القداسة.