الانتخابات الرئاسية بالبهارات المصرية

TT

أن يقال: إن أم مرشح السلفيين الأول في مصر كانت تحمل جنسية أميركية أمر يصعب تخيله. هل يعقل أن والدة زعيم السلفيين تحمل جنسية دولة «كافرة»؟ هو ينكر ويعتبرها مكيدة لإبعاده، وقد تكون بالفعل وسيلة خبيثة للتخلص منه، فهو يقف على رأس السلم والأقرب حظا للفوز بالرئاسة المصرية. وقد يكون تجنس أمه في آخر حياتها بالجنسية الأميركية حقيقة، وهذا في نظري أمر إيجابي، لأنه ينفي عن السلفيين صفة التزمت ورفض الآخر، ويعني أننا أمام نسخة سلفية مطورة.

وكل المؤشرات الأولية تثبت أن الطريق لانتخابات الرئاسة المصرية، مثلها مثل كثير من الديمقراطيات في العالم، مليء باللغو والمؤامرات ضمن إطار يبدو قانونيا، فالرئيس الأميركي باراك أوباما إلى اليوم يتهمه خصومه بأنه لم يولد على أرض أميركية، الذي هو شرط لأن يكون رئيسا للجمهورية، ولإسكاتهم اضطر أوباما إلى نشر وثيقة ولادته، ومع هذا لم يسكتوا حيث يقول خصومه: إنها وثيقة مزورة!

اللغط حول جنسية أم حازم صلاح أبو إسماعيل قد يكون كيديا، لكنه قانوني أيضا، وتوزيع الاتهامات على أقارب بقية المرشحين قد يكون هدفه إضعافهم في الساحة فلا ينتخبون، أو حيلة لإقصائهم، لكن هذه هي الديمقراطية، فمعظم الانتخابات مليئة بالوحول، وتختلط القضايا الجادة بأقاويل حول المال والجنس والجنسية والسيرة الذاتية.

الذي أظن أنه ظلم كثيرا هو أيمن نور، أقصي من حق الترشح الرئاسي مع أنه الرجل الذي تجرأ على منافسة الرئيس المخلوع حسني مبارك وتحداه في أقوى أيامه، منع بحجة سجله الجنائي، فقد سبق أن أدين وسجن، في حين يفترض أن الثورة تجب ما قبلها من أحكام، فالثورة قامت ضد أحكامها.

والمفاجأة أن حزب الإخوان، أكبر الأحزاب وأكثرها تجربة، يبدو أنه يسير على خطا الحزب الوطني من حيث صراعات رجالاته، ونفوذ رجال الأعمال فيه، لأن تمثيل حزب الفقراء رجل أعمال غني ليس بالصورة الجميلة التي يراد أن تؤخذ عنه.

وقد يكون مثيرا للسخرية أن أبرز خيول عهد الثورة هم رجال مبارك السابقون، عمر سليمان رجل المخابرات، وعمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية، والمثير للاستغراب والاستنكار أن الذين ثاروا وأسقطوا مبارك، أي الشباب، لا مكان لهم في انتخابات الرئاسة، فكل المرشحين الرئيسيين هم من الشيوخ.

الحقيقة أن حسني مبارك يستحق أن يلام ويحاسب لأنه حرم المصريين من السباقات الرئاسية، ووضعها حكرا على نفسه، وكان يسميها استفتاء، وهون على المواطن بأن يؤشر على ورقة الاقتراع بنعم أو لا لمبارك فقط، والنتيجة كانت معروفة سلفا، الآن في مصر انتخابات محتدمة أدخلت ثقافة جديدة فيها جدل سياسي وقانوني واقتصادي لم تعهده مصر منذ قيام ثورة 1952، ومع أن هذا الجدل إذا زاد على حده قد يتسبب في تقسيم الساحة المصرية ويهدد السلم الاجتماعي، لكنها مرحلة ضرورية للانتقال من حال النظام الفردي إلى النظام الذي تعهدت به الثورة، وتعهد به ثلاثة رؤساء ستين عاما ولم يفعلوه، نظام رئاسي برلماني انتخابي.

الجدل على أحقية أبو إسماعيل، أو عمر سليمان، أو الشاطر ينحرف نحو المهاترات، وهذا أمر طبيعي في نظام ديمقراطي فيه سباق مفتوح على كرسي الرئاسة، لكن الأهم من انتخاب الرئيس هو تثبيت قواعد انتخاب الرئيس حتى تصبح منهجا للنظام المصري الجديد. آفات الديمقراطيات العربية معروفة، والمصرية كانت من ضمنها، الحكم نظام ديكتاتوري مشوه، ليس بالملكية التي تتطلب عقدا اجتماعيا بشروط مختلفة مع مكونات المجتمع، ولا بالجمهورية الحقيقية التي ينتخب الناس فيها رئيسهم.

الانتخابات الرئاسية ستضع القواعد لمستقبل الحكم في مصر، الذي لا يكفيه نجاح تجربتي انتخابات مجلسي الشعب والشورى، مع أنها تمت في ظروف انتخابية نزيهة لا سابقة لها. دور الرئيس مهم وأساسي في نجاح الحكم في مصر، أيضا نجاح الانتخابات المصرية مهم بسبب ضخامة تأثيرها على الساحة العربية، فنظام الرئاسة المصري عندما ولد ديكتاتوريا قبل ستين عاما استنسخ في العراق وليبيا واليمن والجزائر وسوريا، وأصيبت المنطقة بداء الحكم الفاشل الذي هو مصدر كل العاهات التي ورثناها اليوم.

[email protected]