فضيلة الاستعمار أنه غريب

TT

أفاق جيلي على أصوات ترتفع ضد الاستعمار، وعلى أخبار رجال يسقطون في كل مكان من أجل الحرية، في الجزائر وعنابة وبنزرت وعدن وفاس، وعلى حركات تقوم، وجامعات تثور، وفلسطين تنهض وتزهر وتهدر، وأفقنا أيضا على نداء الوحدة في كل مكان، الأطفال يغنون لها في الساحات، والشباب يفتدونها، والأمهات يطلقن على المواليد أسماء الوحدويين.

تأملوا أنفسنا اليوم: مفتاح الحل في سوريا ما بين روسيا وتركيا، والسوريون يهربون إلى إقليم إسكندرون الذي كان الإقليم السليب، المعارضة السورية تهاجم أميركا، لأنها لا تضغط بما يكفي لطرد النظام، وثلث الشعب العربي على الأقل حامل حقائبه وجوازات السفر ينتظر أن تستقبله دولة استعمارية، أو إمبريالية، وفق المصطلحات المعاصرة.

وكل قضايانا، بل كل أحلامنا، في مجلس الأمن، ودعاؤنا ألا يختلف أعضاؤه علينا، ودعاؤنا الآخر أن يوفق مبعوثه في إقناع روسيا والصين بأن تقنعا النظام السوري بأن عشرة آلاف قتيل ومائة ألف نازح وخمسين ألف معتقل وأطنان الركام رقم لا بأس به على الإطلاق في الإنجازات الوطنية، فكفى.

إيران في سوريا وفي اليمن، وإيران في العراق، وكنا نتهم أميركا بالتدخل، فصرنا نتهمها بالإهمال والتقصير، وكنا نطالب بزوال الأمم المتحدة على أنها أداة إمبريالية فصرنا نتوسل إليها أن تبقى، وأن تحن علينا وعلى قضايانا، وكانت الثورات ضد «أميركا» فصارت هيلاري كلينتون تتمشى في ميدان التحرير «بالانسامبل» الأحمر، وهو العرض الثوري الذي حرمت منه المسز أولبرايت والمسز كوندوليزا رايس.

ربما من الكفر القول: إننا كنا أفضل في ظل الاستعمار، فالمقارنة بين عبوديتين أمر غير أخلاقي، لكن من غير الأخلاقي أيضا ألا يترك لنا خيار آخر، أن يكون سلامنا الداخلي معلقا ببراثن الصقور ومخالب الطيور، أن نكون لمرة أمة واحدة، ولكن في توسل الرفيق لافروف الترفق بنا، وأن يبلغنا ما هو عدد الضحايا الذي يمكن أن يرضيه، لكي يلين مواقفه قليلا.

ليت موسكو (وبكين) اتخذت مثل هذا الموقف إلى جانب سوريا ضد إسرائيل، أين كان الفيتو الروسي في الصراع العربي - الإسرائيلي، وبماذا كان يلهو الفيتو الصيني؟ من المؤسف أن تلجأ موسكو إلى الفيتو النادر الاستخدام في نزاع داخلي دام ومدمر، دورها المفترض أن توقف القتل والدمار والخراب، لا أن تشجع عليه وتمنحه الحصانة الدولية، وقد يأتي يوم يكون النظام السوري أكثر من يلوم الكرملين على دفعه إلى هذا الحد، تماما كما لام عبد الناصر موسكو في حرب يونيو (حزيران)، ودمرها المخدر، الذي كان أحد أسباب الهزيمة.

ها نحن، بعد 50 عاما، مجرد كرة بين لاعبين، كنا نسميهم الاستعمار فصرنا نسميهم الأسرة الدولية والمجتمع الدولي، نظن أننا فريق وما نحن سوى ضحايا، في الحرب على الاستعمار كان العدو على الأقل غريبا.