قتل الإنسان ما أكفره!

TT

من أسخف الخدمات التي استحدثتها بعض الفنادق في العالم هي وضع ثلاجة صغيرة في الغرفة تحتوي على أصناف من المشروبات الكحولية، وكأنها بذلك تريد إفساد أخلاق الزبائن، وتجني فوق ذلك المزيد من الأرباح المضاعفة.

الحمد لله أن مثل هذه الخدمات السخيفة ليست موجودة في فنادق بلادنا، وحسنا أنها فعلت ذلك، لأن النفس البشرية أمارة بالسوء.

وقيل لي - والعهدة على الراوي: إن هناك شيخا معروفا على جانب كبير من التقى والورع، سافر مع ابنه للعلاج في إحدى المدن الأوروبية، وسكنا في أحد الفنادق لمدة يومين، وعندما حان موعد دخوله للمستشفى، وكان الابن يراجع الفواتير أمام صندوق المحاسبة، راعه أن غرفة والده محمل عليها جميع أثمان المشروبات الكحولية التي في غرفته.

فتحدث مع المسؤول لافتا نظره إلى أن هناك خطأ لا شك فيه من هذه الناحية، لأن والده يحرم ذلك، ومن المستحيل أن يكون قد تعاطاها، غير أن المسؤول أكد له ذلك عندما قال: إن جميع (القوارير) الصغيرة قد استهلكها والدك في اليوم الأول، واستبدلناها بغيرها في اليوم الثاني، (فشطب) عليها أيضا عن بكرة أبيها دون أن يترك حتى ولا نقطة واحدة، وإذا كنت لم تصدقني اطلع (وشوف) بنفسك القوارير الفارغة المكومة في صندوق الزبالة. ثم أردف قائلا وهو يريد أن يخفف دمه: يبدو أن والدك صاحب مزاج حلو ورايق وأنت لا تدري؟! فأخذ الابن يضرب كفا بكف مستعجبا من هذا الموقف الذي لا يحسد عليه.

وأصبح المسكين بين نارين، إما أن يدفع ويسكت ويترك شبهات الشكوك في نفسه تحوم حول والده، أو أن يصارحه ويسأله وأمره على الله، خصوصا أن سؤاله له قد يحرجه ويجرحه وهو لا يريد ذلك.

وبينما كان العرق يتصبب من وجهه والاضطراب يخلخل جميع مفاصله، لاحظ والده الشيخ الحالة المزرية التي اكتنفت ابنه، فاتجه له يسأله بكل براءة عما أصابه؟! فتلعثم الابن قليلا، ولكنه أخيرا استجمع شجاعته قائلا له: لا شك أن هناك خطأ قد حصل ما بين غرفتك وغرفة أحد الزبائن الآخرين بشأن تلك القوارير، فما كان من الشيخ إلا أن يقول له: لا، إنها كانت بالفعل في غرفتي، فكادت عينا الابن تنفران من محجريهما من شدة الصدمة، ولكنه استرد أنفاسه عندما ذكر له الشيخ أنه كان كل يوم يفرغ تلك القوارير في مغسلة الحمام ثم يغسل يده بعد ذلك بالصابون مخافة أن تكون قد تلوثت ولو بقطرة واحدة من ذلك (المخزي).

ثم أردف قائلا: كيف تريدني أن أصلي في غرفة فيها تلك المنكرات هل أنت مهبول؟! خصوصا أن القبلة هي ناحية تلك الثلاجة النجسة، وأرجو أنك أنت قد فعلت مثلما أنا فعلت.

فتبسم الابن وتهللت أساريره وحمد الله كثيرا قائلا: إنني فعلت مثلما أنت فعلت.

ولا أدري هل الابن صادق فيما قاله لوالده، أم أن وراء (الأكمة) ما وراءها؟! الله أعلم.

إذن لا تلوموني عندما أطلب من أي فندق أسكنه في الخارج أن يزيلوا مقدما جميع المنكرات من ثلاجة غرفتي ما عدا ماء (البريه).

(قتل الإنسان ما أكفره).