قبروه في البحر مثل (أسامة بن لادن)

TT

من أكبر الشواهد الأثرية في العالم دون منازع (سور الصين العظيم)، وهو الأثر الوحيد الذي يشاهد على الأرض عبر المركبات الفضائية والذي يتمتع برؤيته الرّواد.

هذا العمل الجبار الذي يبلغ طوله آلاف الأميال، بدأ بناؤه قبل ميلاد المسيح، واستمر يبنى ويزاد فيه طوال مئات الأعوام، ويقال إن الأباطرة جندوا على بنائه ما لا يقل عن مليون عامل على مدار الأيام والشهور والأعوام، ولكي لا يتوقف العمل ويذهب الوقت هدرا، كان كل من يموت من العمال يمددونه على السور ثم يبنون عليه من الحجارة والآجر، ويجعلونه مدماكا من المداميك.

ودفن على هذه الحال مئات الآلاف من العمال ذكورا وإناثا، ويقال إنهم إلى الآن كلما أرادوا أن يرمموا بعضا من أجزائه التي تداعت يكتشفون عظاما بشرية بعضها تآكل مع الزمن وبعضها ما زال على حاله.

ولا شك أن تلك الطريقة كانت مريحة وعملية لكل من يبني ولكل من يموت، ولو أنني كنت في ذلك الوقت صينيا وعاملا من العمال لأوصيتهم أن يدفنوني داخل السور (على جنب) ووجهي ناحية القبلة.

هذه المعلومات أنا استقيتها عن سور الصين من برنامج تلفزيوني وثائقي.

وأثناء المشاهدة خطر على بالي أول ما خطر سور مدينة جدة الذي هدم في الأربعينات الميلادية، نتيجة لتوسع المدينة وفتح الشوارع المنظمة فيها - ويا ليته لم يهدم -.

المهم، يحكي لنا التاريخ أن جدة في وقت غابر كانت تابعة لمصر في عهد (قنصوة الغوري)، وكانت تتعرض إلى غزوات متواصلة عبر البحر من البرتغاليين والأحباش، ولكي يحميها الغوري من الاحتلال، أمر باستنفار الأهالي جميعهم ليهبوا لبناء سور محكم عليها، وأن لا يتخلف أحد منهم عن ذلك بما فيهم الخباز واللحام والخياط والنجار والحوات والتاجر وحتى المرأة أو الصبي الصغير.

وأوكل تنفيذ هذه المهمة لرجل جبار وصف بالشراسة يقال له: (حسين كردي)، وأخذ يسوطهم سوط العذاب ليلا ونهارا للإسراع بإنجاز مهمتهم في أسرع وقت ممكن، وكان يقف على ذلك شخصيا ويراقبهم ويحصرهم ويعد كشوفهم يوميا.

وصادف أن أحد التجار قد تعب وضاق ذرعا بهذه المعاملة الشاقة، وأراد أن يأخذ (بريك) لكي يرتاح ولو ليوم واحد، فتمرد ولم يذهب للعمل، وعندما علم (الكردي) بذلك ما كان منه إلا أن أمر بإحضاره وتكتيفه ثم تمديده على السور ثم البناء عليه حيا ليكون عبرة للآخرين، وهذا ما حصل.

ودارت الأيام، واستنجد أشراف الحجاز بالسلطان سليم لاحتلال جدة في الوقت الذي نشبت فيه المعركة الشهيرة بـ(مرج دابق) التي قتل فيها (الغوري) وهزمت جيوشه.

وعندما دخلت قوات السلطان سليم جدة، أول ما عملوه أن قبضوا على (الكردي) ووثقوه بالحبال فأراد الأهالي أن يدفنوه ويبنوا عليه في السور مثلما فعل بالتاجر، غير أن السلطان قال: إنه لا يستحق هذا الشرف.

عندها ربطوا حول جسمه صخورا كبيرة ثم رموه حيا في البحر، مثلما فعل الأميركان بـ(أسامة بن لادن).

هل التاريخ يعيد نفسه، أم أن (العالم ليس عاقلا)؟!

[email protected]